صفحة جزء
القول في تأويل قوله ( ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين ( 75 ) فلما آتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون ( 76 ) فأعقبهم نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون ( 77 ) )

قال أبو جعفر : يقول - تعالى ذكره - : ومن هؤلاء المنافقين الذين وصفت لك يا محمد صفتهم ( من عاهد الله ) يقول : أعطى الله عهدا ( لئن آتانا من فضله ) يقول : لئن أعطانا الله من فضله ، ورزقنا مالا ووسع علينا من عنده ( لنصدقن ) يقول : لنخرجن الصدقة من ذلك المال الذي رزقنا ربنا ( ولنكونن من الصالحين ) يقول : ولنعملن فيها بعمل أهل الصلاح بأموالهم ، من صلة الرحم به ، وإنفاقه في سبيل الله . يقول الله تبارك وتعالى : فرزقهم الله وأتاهم من فضله ( فلما آتاهم الله من فضله بخلوا به ) بفضل الله الذي آتاهم ، فلم يصدقوا منه ، ولم يصلوا منه قرابة ، ولم ينفقوا منه في حق الله ( وتولوا ) يقول : وأدبروا عن عهدهم الذي عاهدوه الله ( وهم معرضون ) عنه ( فأعقبهم ) [ ص: 370 ] الله ( نفاقا في قلوبهم ) ببخلهم بحق الله الذي فرضه عليهم فيما آتاهم من فضله ، وإخلافهم الوعد الذي وعدوا الله ، ونقضهم عهده في قلوبهم ( إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه ) من الصدقة والنفقة في سبيله ( وبما كانوا يكذبون ) في قيلهم ، وحرمهم التوبة منه ؛ لأنه - جل ثناؤه - اشترط في نفاقهم أنه أعقبهموه إلى يوم يلقونه ، وذلك يوم مماتهم وخروجهم من الدنيا .

واختلف أهل التأويل في المعني بهذه الآية .

فقال بعضهم : عني بها رجل يقال له : " ثعلبة بن حاطب " من الأنصار .

ذكر من قال ذلك :

16986 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : ( ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله ) الآية ، وذلك أن رجلا يقال له : ثعلبة بن حاطب من الأنصار ، أتى مجلسا فأشهدهم فقال : لئن آتاني الله من فضله آتيت منه كل ذي حق حقه ، وتصدقت منه ، ووصلت منه القرابة ، فابتلاه الله فآتاه من فضله ، فأخلف الله ما وعده ، وأغضب الله بما أخلف ما وعده . فقص الله شأنه في القرآن : ( ومنهم من عاهد الله ) الآية ، إلى قوله : ( يكذبون ) .

16987 - حدثني المثنى قال : حدثنا هشام بن عمار قال : حدثنا محمد بن شعيب قال : حدثنا معان بن رفاعة السلمي عن أبي عبد الملك علي بن يزيد الألهاني : أنه أخبره عن القاسم بن عبد الرحمن : أنه أخبره عن أبي أمامة الباهلي عن ثعلبة بن حاطب الأنصاري أنه قال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ادع [ ص: 371 ] الله أن يرزقني مالا . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ويحك يا ثعلبة قليل تؤدي شكره خير من كثير لا تطيقه . قال : ثم قال مرة أخرى ، فقال : أما ترضى أن تكون مثل نبي الله ؟! فوالذي نفسي بيده لو شئت أن تسير معي الجبال ذهبا وفضة لسارت ! قال : والذي بعثك بالحق لئن دعوت الله فرزقني مالا لأعطين كل ذي حق حقه . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : اللهم ارزق ثعلبة مالا . قال : فاتخذ غنما ، فنمت كما ينمو الدود ، فضاقت عليه المدينة ، فتنحى عنها ، فنزل واديا من أوديتها ، حتى جعل يصلي الظهر والعصر في جماعة ، ويترك ما سواهما . ثم نمت وكثرت ، فتنحى حتى ترك الصلوات إلا الجمعة ، وهي تنمو كما ينمو الدود ، حتى ترك الجمعة . فطفق يتلقى الركبان يوم الجمعة يسألهم عن الأخبار ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ما فعل ثعلبة ؟ فقالوا : يا رسول الله ، اتخذ غنما فضاقت عليه المدينة ! فأخبروه بأمره ، فقال : يا ويح ثعلبة ، يا ويح ثعلبة ، يا ويح ثعلبة . قال : وأنزل الله : ( خذ من أموالهم صدقة ) [ سورة التوبة : 103 ] الآية ، ونزلت عليه فرائض الصدقة ، فبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلين على الصدقة رجلا من جهينة ، ورجلا من سليم ، وكتب لهما كيف يأخذان الصدقة من المسلمين ، وقال لهما : مرا بثعلبة وبفلان رجل من بني سليم ، فخذا صدقاتهما . فخرجا حتى أتيا ثعلبة فسألاه الصدقة ، وأقرآه كتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : ما هذه إلا جزية ، ما هذه إلا أخت الجزية ، ما أدري ما هذا . انطلقا حتى تفرغا ثم عودا إلي . فانطلقا ، وسمع بهما السلمي فنظر إلى خيار أسنان إبله ، فعزلها للصدقة ، ثم استقبلهم بها . فلما رأوها قالوا : ما يجب عليك هذا ، وما نريد أن نأخذ هذا منك . قال : بلى ، فخذوه ، فإن نفسي بذلك طيبة ، وإنما هي لي ، فأخذوها منه . فلما فرغا من صدقاتهما [ ص: 372 ] رجعا ، حتى مرا بثعلبة فقال : أروني كتابكما ، فنظر فيه ، فقال : ما هذه إلا أخت الجزية ، انطلقا حتى أرى رأيي . فانطلقا حتى أتيا النبي - صلى الله عليه وسلم - فلما رآهما قال : يا ويح ثعلبة ، قبل أن يكلمهما ، ودعا للسلمي بالبركة ، فأخبراه بالذي صنع ثعلبة والذي صنع السلمي فأنزل الله - تبارك وتعالى - فيه : ( ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين ) إلى قوله : ( وبما كانوا يكذبون ) وعند رسول الله رجل من أقارب ثعلبة ، فسمع ذلك ، فخرج حتى أتاه ، فقال : ويحك يا ثعلبة قد أنزل الله فيك كذا وكذا ! فخرج ثعلبة حتى أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فسأله أن يقبل منه صدقته . فقال : إن الله منعني أن أقبل منك صدقتك ، فجعل يحثي على رأسه التراب ، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : هذا عملك ، قد أمرتك فلم تطعني . فلما أبى أن يقبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجع إلى منزله ، وقبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يقبل منه شيئا . ثم أتى أبا بكر حين استخلف ، فقال : قد علمت منزلتي من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وموضعي من الأنصار فاقبل صدقتي ، فقال أبو بكر : لم يقبلها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا أقبلها ؟ ! فقبض أبو بكر ولم يقبضها . فلما ولي عمر أتاه فقال : يا أمير المؤمنين ، اقبل صدقتي ، فقال : لم يقبلها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا أبو بكر ، وأنا أقبلها منك ؟ ! فقبض ولم يقبلها ، ثم ولي عثمان - رحمة الله عليه - فأتاه فسأله أن يقبل صدقته فقال : لم يقبلها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا أبو بكر ولا عمر - رضوان الله عليهما - وأنا أقبلها منك ؟ ! فلم يقبلها منه . وهلك ثعلبة في خلافة عثمان - رحمة الله عليه - . [ ص: 373 ] 16988 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد عن قتادة قوله : ( ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله ) الآية ، ذكر لنا أن رجلا من الأنصار أتى على مجلس من الأنصار ، فقال لئن آتاه الله مالا ليؤدين إلى كل ذي حق حقه ، فآتاه الله مالا فصنع فيه ما تسمعون . قال : ( فلما آتاهم من فضله بخلوا به ) إلى قوله : ( وبما كانوا يكذبون ) . ذكر لنا أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - حدث أن موسى - عليه الصلاة والسلام - لما جاء بالتوراة إلى بني إسرائيل قالت بنو إسرائيل : إن التوراة كثيرة ، وإنا لا نفرغ لها ، فسل لنا ربك جماعا من الأمر نحافظ عليه ، ونتفرغ فيه لمعاشنا ، قال : يا قوم ، مهلا مهلا ! [ ص: 374 ] هذا كتاب الله ، ونور الله ، وعصمة الله . قال : فأعادوا عليه ، فأعاد عليهم ، قالها ثلاثا . قال : فأوحى الله إلى موسى : ما يقول عبادي ؟ قال : يا رب ، يقولون كيت وكيت . قال : فإني آمرهم بثلاث إن حافظوا عليهن دخلوا بهن الجنة : أن ينتهوا إلى قسمة الميراث فلا يظلموا فيها ، ولا يدخلوا أبصارهم البيوت حتى يؤذن لهم ، وأن لا يطعموا طعاما حتى يتوضئوا وضوء الصلاة . قال : فرجع بهن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - إلى قومه ، ففرحوا ، ورأوا أنهم سيقومون بهن . قال : فوالله ما لبث القوم إلا قليلا حتى جنحوا وانقطع بهم . فلما حدث نبي الله بهذا الحديث عن بني إسرائيل قال : تكفلوا لي بست أتكفل لكم بالجنة ، قالوا : ما هن يا رسول الله ؟ قال : إذا حدثتم فلا تكذبوا ، وإذا وعدتم فلا تخلفوا ، وإذا اؤتمنتم فلا تخونوا ، وكفوا أبصاركم وأيديكم وفروجكم : أبصاركم عن الخيانة ، وأيديكم عن السرقة ، وفروجكم عن الزنا .

16989 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد عن قتادة ، عن الحسن أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول : ثلاث من كن فيه صار منافقا وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم : إذا حدث كذب ، وإذا اؤتمن خان ، وإذا وعد أخلف .

وقال آخرون : بل المعني بذلك : رجلان أحدهما ثعلبة ، والآخر معتب بن قشير .

ذكر من قال ذلك :

16990 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة عن ابن إسحاق عن عمرو بن عبيد عن الحسن : ( ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله ) الآية . وكان الذي عاهد الله منهم : ثعلبة بن حاطب ومعتب بن قشير ، وهما من بني [ ص: 375 ] عمرو بن عوف .

16991 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قول الله : ( ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله ) قال رجلان خرجا على ملأ قعود فقالا : والله لئن رزقنا الله لنصدقن ، فلما رزقهم بخلوا به .

16992 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل عن ابن أبى نجيح عن مجاهد : ( ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله ) رجلان خرجا على ملأ قعود فقالا : والله لئن رزقنا الله لنصدقن ، فلما رزقهم بخلوا به . ( فأعقبهم نفاقا في قلوبهم بما أخلفوا الله ما وعدوه ) حين قالوا : " لنصدقن " فلم يفعلوا .

16993 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الله عن ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد نحوه .

16994 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : ( ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله ) الآية قال : هؤلاء صنف من المنافقين ، فلما آتاهم ذلك بخلوا به ، فلما بخلوا بذلك أعقبهم بذلك نفاقا إلى يوم يلقونه ، ليس لهم منه توبة ولا مغفرة ولا عفو ، كما أصاب إبليس حين منعه التوبة .

وقال أبو جعفر : في هذه الآية الإبانة من الله - جل ثناؤه - عن علامة أهل النفاق ، أعني في قوله : ( فأعقبهم نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون ) . [ ص: 376 ] وبنحو هذا القول كان يقول جماعة من الصحابة والتابعين ، ورويت به الأخبار عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

ذكر من قال ذلك :

16995 - حدثنا أبو السائب قال : حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن عمارة عن عبد الرحمن بن يزيد قال : قال عبد الله : اعتبروا المنافق بثلاث : إذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا عاهد غدر ، وأنزل الله تصديق ذلك في كتابه : ( ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله ) إلى قوله : ( يكذبون ) .

16996 - حدثني محمد بن المثنى قال : حدثنا محمد بن جعفر قال : حدثنا شعبة عن سماك عن صبيح بن عبد الله بن عميرة عن عبد الله بن عمرو قال : ثلاث من كن فيه كان منافقا : إذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا اؤتمن خان . قال : وتلا هذه الآية : ( ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين ) إلى آخر الآية . [ ص: 377 ] 16997 - حدثنا ابن المثنى قال : حدثنا أبو داود قال : حدثنا شعبة عن سماك قال : سمعت صبيح بن عبد الله العبسي يقول : سألت عبد الله بن عمرو عن المنافق ، فذكر نحوه .

16998 - حدثني محمد بن معمر قال : حدثنا أبو هشام المخزومي قال : حدثنا عبد الواحد بن زياد قال : حدثنا عثمان بن حكيم قال : سمعت محمد بن كعب القرظي يقول : كنت أسمع أن المنافق يعرف بثلاث : بالكذب ، والإخلاف ، والخيانة ، فالتمستها في كتاب الله زمانا لا أجدها ، ثم وجدتها في اثنتين من كتاب الله : قوله : ( ومنهم من عاهد الله ) حتى بلغ : ( وبما كانوا يكذبون ) وقوله : ( إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض ) [ سورة الأحزاب : 72 ] هذه الآية .

16999 - حدثني القاسم بن بشر بن معروف قال : حدثنا شبابة قال : حدثنا محمد المحرم قال : سمعت الحسن يقول : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : [ ص: 378 ] " ثلاث من كن فيه فهو منافق ، وإن صلى وصام وزعم أنه مسلم : إذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا اؤتمن خان " . فقلت للحسن : يا أبا سعيد لئن كان لرجل علي دين فلقيني فتقاضاني ، وليس عندي ، وخفت أن يحبسني ويهلكني ، فوعدته أن أقضيه رأس الهلال فلم أفعل ، أمنافق أنا ؟ قال : هكذا جاء الحديث ، ثم حدث عن عبد الله بن عمرو : أن أباه لما حضره الموت قال : زوجوا فلانا ، فإني وعدته أن أزوجه ، لا ألقى الله بثلث النفاق ، قال : قلت : يا أبا سعيد ويكون ثلث الرجل منافقا ، وثلثاه مؤمن ؟ قال : هكذا جاء الحديث . قال : فحججت فلقيت عطاء بن أبي رباح فأخبرته الحديث الذي سمعته من الحسن وبالذي قلت له وقال لي ، فقال لي : أعجزت أن تقول له : أخبرني عن إخوة يوسف - عليه السلام - ألم يعدوا أباهم فأخلفوه ، وحدثوه فكذبوه ، وائتمنهم فخانوه ، أفمنافقين كانوا ؟ ألم يكونوا أنبياء ؟ أبوهم نبي ، وجدهم نبي ؟ قال : فقلت لعطاء : يا أبا محمد حدثني بأصل النفاق ، وبأصل هذا الحديث . فقال : حدثني جابر بن عبد الله : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنما قال هذا الحديث في المنافقين خاصة ، الذين حدثوا النبي فكذبوه ، وائتمنهم على سره فخانوه ، ووعدوه أن يخرجوا معه في الغزو فأخلفوه . قال : وخرج أبو سفيان من مكة ، فأتى جبريل النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : إن أبا سفيان في مكان كذا وكذا . فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه : إن أبا سفيان في مكان كذا وكذا ، فاخرجوا إليه ، واكتموا . قال : فكتب رجل من المنافقين إليه : " إن محمدا يريدكم ، فخذوا حذركم " . فأنزل الله : ( لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون ) [ سورة الأنفال : 27 ] ، وأنزل في المنافقين : ( ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله ) إلى : ( فأعقبهم نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون ) فإذا لقيت الحسن فأقرئه السلام ، وأخبره بأصل هذا الحديث ، وبما قلت [ ص: 379 ] لك . قال : فقدمت على الحسن فقلت : يا أبا سعيد إن أخاك عطاء يقرئك السلام ، فأخبرته بالحديث الذي حدث ، وما قال لي ، فأخذ الحسن بيدي فأشالها ، وقال : يا أهل العراق ، أعجزتم أن تكونوا مثل هذا ؟ سمع مني حديثا فلم يقبله حتى استنبط أصله ، صدق عطاء ، هكذا الحديث ، وهذا في المنافقين خاصة .

17000 - حدثني يعقوب قال : حدثنا ابن علية قال : أخبرنا يعقوب عن الحسن قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ثلاث من كن فيه - وإن صلى وصام وزعم أنه مسلم - فهو منافق . فقيل له : ما هي يا رسول الله ؟ فقال النبي - عليه الصلاة والسلام - : إذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا اؤتمن خان .

17001 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثنا مبشر ، عن الأوزاعي عن هارون بن رباب عن عبد الله بن عمرو بن وائل : أنه لما حضرته الوفاة قال : إن فلانا خطب إلي ابنتي ، وإني كنت قلت له فيها قولا شبيها بالعدة ، والله لا ألقى الله بثلث النفاق ، وأشهدكم أني قد زوجته . [ ص: 380 ] وقال قوم : كان العهد الذي عاهد الله هؤلاء المنافقون شيئا نووه في أنفسهم ، ولم يتكلموا به .

ذكر من قال ذلك :

17002 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : سمعت معتمر بن سليمان التيمي يقول : ركبت البحر ، فأصابنا ريح شديدة ، فنذر قوم منا نذورا ، ونويت أنا ، لم أتكلم به . فلما قدمت البصرة سألت أبي سليمان فقال لي : يا بني ، ف به .

قال معتمر : وحدثنا كهمس عن سعيد بن ثابت قال قوله : ( ومنهم من عاهد الله ) الآية ، قال : إنما هو شيء نووه في أنفسهم ولم يتكلموا به ، ألم تسمع إلى قوله : ( ألم يعلموا أن الله يعلم سرهم ونجواهم وأن الله علام الغيوب ) ؟

التالي السابق


الخدمات العلمية