القول في تأويل قوله (
فإن رجعك الله إلى طائفة منهم فاستأذنوك للخروج فقل لن تخرجوا معي أبدا ولن تقاتلوا معي عدوا إنكم رضيتم بالقعود أول مرة فاقعدوا مع الخالفين ( 83 ) )
قال
أبو جعفر : يقول - جل ثناؤه - لنبيه
محمد - صلى الله عليه وسلم - : فإن ردك الله يا
محمد إلى طائفة من هؤلاء المنافقين من غزوتك هذه (
فاستأذنوك للخروج ) معك في أخرى غيرها ( فقل ) لهم (
لن تخرجوا معي أبدا ولن تقاتلوا معي عدوا إنكم رضيتم بالقعود أول مرة ) وذلك عند خروج النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى
تبوك (
فاقعدوا مع الخالفين ) يقول : فاقعدوا مع الذين قعدوا من المنافقين خلاف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؛ لأنكم منهم ، فاقتدوا بهديهم ،
[ ص: 404 ] واعملوا مثل الذي عملوا من معصية الله ، فإن الله قد سخط عليكم .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
17047 - حدثني
محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس قال :
قال رجل يا رسول الله : الحر شديد ، ولا نستطيع الخروج ، فلا تنفر في الحر ! وذلك في غزوة تبوك فقال الله : ( قل نار جهنم أشد حرا لو كانوا يفقهون ) فأمره الله بالخروج . فتخلف عنه رجال ، فأدركتهم نفوسهم فقالوا : والله ما صنعنا شيئا ، فانطلق منهم ثلاثة ، فلحقوا برسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما أتوه تابوا ، ثم رجعوا إلى المدينة ، فأنزل الله : ( فإن رجعك الله إلى طائفة منهم ) إلى قوله : ( ولا تقم على قبره ) فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : هلك الذين تخلفوا ، فأنزل الله عذرهم لما تابوا ، فقال : ( لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار ) إلى قوله : ( إن الله هو التواب الرحيم ) [ سورة التوبة : 117 ، 118 ] .
17048 - حدثنا
بشر قال : حدثنا
يزيد قال : حدثنا
سعيد عن
قتادة قوله : (
فإن رجعك الله إلى طائفة منهم ) إلى قوله : (
فاقعدوا مع الخالفين ) أي : مع النساء . ذكر لنا أنهم كانوا اثني عشر رجلا من المنافقين ، قيل فيهم ما قيل .
17049 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
عبد الله بن صالح قال : حدثني
معاوية عن
علي عن
ابن عباس : (
فاقعدوا مع الخالفين ) " والخالفون " الرجال .
قال
أبو جعفر : والصواب من التأويل في قوله : ( الخالفين ) ما قال
ابن عباس .
[ ص: 405 ]
فأما ما قال
قتادة - من أن ذلك النساء - فقول لا معنى له ؛ لأن العرب لا تجمع النساء إذا لم يكن معهن رجال بالياء والنون ، ولا بالواو والنون . ولو كان معنيا بذلك النساء لقيل : " فاقعدوا مع الخوالف " أو " مع الخالفات " . ولكن معناه ما قلنا ، من أنه أريد به : فاقعدوا مع مرضى الرجال وأهل زمانتهم ، والضعفاء منهم ، والنساء . وإذا اجتمع الرجال والنساء في الخبر فإن العرب تغلب الذكور على الإناث ، ولذلك قيل : (
فاقعدوا مع الخالفين ) والمعنى ما ذكرنا .
ولو وجه معنى ذلك إلى : فاقعدوا مع أهل الفساد ، من قولهم : " خلف الرجل عن أهله يخلف خلوفا إذا فسد ، ومن قولهم : " هو خلف سوء " كان مذهبا . وأصله إذا أريد به هذا المعنى من قولهم : " خلف اللبن يخلف خلوفا " إذا خبث من طول وضعه في السقاء حتى يفسد ، ومن قولهم : " خلف فم الصائم " إذا تغيرت ريحه .