1. الرئيسية
  2. تفسير الطبري
  3. تفسير سورة البقرة
  4. القول في تأويل قوله تعالى " قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها قال إنه يقول إنها بقرة صفراء "
صفحة جزء
[ ص: 198 ] القول في تأويل قوله تعالى ( قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها قال إنه يقول إنها بقرة صفراء )

قال أبو جعفر : ومعنى ذلك : قال قوم موسى لموسى : ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها ؟ أي لون البقرة التي أمرتنا بذبحها . وهذا أيضا تعنت آخر منهم بعد الأول ، وتكلف طلب ما قد كانوا كفوه في المرة الثانية والمسألة الآخرة . وذلك أنهم لم يكونوا حصروا في المرة الثانية - إذ قيل لهم بعد مسألتهم عن حلية البقرة التي كانوا أمروا بذبحها ، فأبوا إلا تكلف ما قد كفوه من المسألة عن صفتها ، فحصروا على نوع دون سائر الأنواع ، عقوبة من الله لهم على مسألتهم التي سألوها نبيهم صلى الله عليه وسلم ، تعنتا منهم له . ثم لم يحصرهم على لون منها دون لون ، فأبوا إلا تكلف ما كانوا عن تكلفه أغنياء ، فقالوا - تعنتا منهم لنبيهم صلى الله عليه وسلم كما ذكر ابن عباس - : ( ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها ) فقيل لهم عقوبة لهم : ( إنها بقرة صفراء فاقع لونها تسر الناظرين ) . فحصروا على لون منها دون لون . ومعنى ذلك : أن البقرة التي أمرتكم بذبحها صفراء فاقع لونها .

قال أبو جعفر : ومعنى قوله : ( يبين لنا ما لونها ) ، أي شيء لونها ؟ فلذلك كان اللون مرفوعا ، لأنه مرافع " ما " . وإنما لم ينصب " ما " بقوله " يبين لنا " ، لأن أصل " أي " و " ما " ، جمع متفرق الاستفهام . يقول القائل بين لنا أسوداء هذه البقرة أم صفراء ؟ فلما لم يكن لقوله : " بين لنا " أن يقع على الاستفهام متفرقا ، لم يكن له أن يقع على " أي " ، لأنه جمع ذلك المتفرق . وكذلك كل ما كان من نظائره فالعمل فيه واحد ، في " ما " و " أي " . [ ص: 199 ] واختلف أهل التأويل في معنى قوله : ( صفراء ) . فقال بعضهم : معنى ذلك سوداء شديدة السواد .

ذكر من قال ذلك منهم :

1218 - حدثني أبو مسعود إسماعيل بن مسعود الجحدري قال ، حدثنا نوح بن قيس ، عن محمد بن سيف ، عن الحسن : ( صفراء فاقع لونها ) ، قال : سوداء شديدة السواد .

1219 - حدثني أبو زائدة زكريا بن يحيى بن أبي زائدة . والمثنى بن إبراهيم قالا حدثنا مسلم بن إبراهيم قال ، حدثنا نوح بن قيس ، عن محمد بن سيف ، عن أبي رجاء ، عن الحسن مثله .

وقال آخرون : معنى ذلك : صفراء القرن والظلف

ذكر من قال ذلك :

1220 - حدثني هشام بن يونس النهشلي قال ، حدثنا حفص بن غياث ، عن أشعث ، عن الحسن في قوله : ( صفراء فاقع لونها ) ، قال : صفراء القرن والظلف .

1221 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال ، حدثني هشيم قال ، أخبرنا جويبر ، عن كثير بن زياد ، عن الحسن في قوله : ( صفراء فاقع لونها ) ، قال : كانت وحشية . [ ص: 200 ] 1222 - حدثني يعقوب قال ، حدثنا مروان بن معاوية ، عن إبراهيم ، عن أبي حفص ، عن مغراء - أو عن رجل - ، عن سعيد بن جبير : ( بقرة صفراء فاقع لونها ) ، قال : صفراء القرن والظلف .

1223 - حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد : هي صفراء .

1224 - حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا الضحاك بن مخلد ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( إنها بقرة صفراء فاقع لونها ) ، قال : لو أخذوا بقرة صفراء لأجزأت عنهم .

قال أبو جعفر : وأحسب أن الذي قال في قوله : ( صفراء ) ، يعني به سوداء ، ذهب إلى قوله في نعت الإبل السود : " هذه إبل صفر ، وهذه ناقة صفراء " يعني بها سوداء . وإنما قيل ذلك في الإبل لأن سوادها يضرب إلى الصفرة ، ومنه قول الشاعر :


تلك خيلي منه وتلك ركابي هن صفر أولادها كالزبيب



[ ص: 201 ] يعني بقوله : " هن صفر " هن سود وذلك إن وصفت الإبل به ، فليس مما توصف به البقر . مع أن العرب لا تصف السواد بالفقوع ، وإنما تصف السواد - إذا وصفته بالشدة - بالحلوكة ونحوها ، فتقول : " هو أسود حالك وحانك وحلكوك ، وأسود غربيب ودجوجي " - ولا تقول : هو أسود فاقع . وإنما تقول : " هو أصفر فاقع " . فوصفه إياه بالفقوع ، من الدليل البين على خلاف التأويل الذي تأول قوله : ( إنها بقرة صفراء فاقع ) المتأول ، بأن معناه سوداء شديدة السواد .

التالي السابق


الخدمات العلمية