[ ص: 198 ] القول في
تأويل قوله تعالى ( قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها قال إنه يقول إنها بقرة صفراء )
قال
أبو جعفر : ومعنى ذلك : قال قوم
موسى لموسى : ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها ؟ أي لون البقرة التي أمرتنا بذبحها . وهذا أيضا تعنت آخر منهم بعد الأول ، وتكلف طلب ما قد كانوا كفوه في المرة الثانية والمسألة الآخرة . وذلك أنهم لم يكونوا حصروا في المرة الثانية - إذ قيل لهم بعد مسألتهم عن حلية البقرة التي كانوا أمروا بذبحها ، فأبوا إلا تكلف ما قد كفوه من المسألة عن صفتها ، فحصروا على نوع دون سائر الأنواع ، عقوبة من الله لهم على مسألتهم التي سألوها نبيهم صلى الله عليه وسلم ، تعنتا منهم له . ثم لم يحصرهم على لون منها دون لون ، فأبوا إلا تكلف ما كانوا عن تكلفه أغنياء ، فقالوا - تعنتا منهم لنبيهم صلى الله عليه وسلم كما ذكر
ابن عباس - : (
ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها ) فقيل لهم عقوبة لهم : (
إنها بقرة صفراء فاقع لونها تسر الناظرين ) . فحصروا على لون منها دون لون . ومعنى ذلك : أن البقرة التي أمرتكم بذبحها صفراء فاقع لونها .
قال
أبو جعفر : ومعنى قوله : (
يبين لنا ما لونها ) ، أي شيء لونها ؟ فلذلك كان اللون مرفوعا ، لأنه مرافع " ما " . وإنما لم ينصب " ما " بقوله " يبين لنا " ، لأن أصل " أي " و " ما " ، جمع متفرق الاستفهام . يقول القائل بين لنا أسوداء هذه البقرة أم صفراء ؟ فلما لم يكن لقوله : " بين لنا " أن يقع على الاستفهام متفرقا ، لم يكن له أن يقع على " أي " ، لأنه جمع ذلك المتفرق . وكذلك كل ما كان من نظائره فالعمل فيه واحد ، في " ما " و " أي " .
[ ص: 199 ] واختلف أهل التأويل في معنى قوله : ( صفراء ) . فقال بعضهم : معنى ذلك سوداء شديدة السواد .
ذكر من قال ذلك منهم :
1218 - حدثني
أبو مسعود إسماعيل بن مسعود الجحدري قال ، حدثنا
نوح بن قيس ، عن
محمد بن سيف ، عن
الحسن : (
صفراء فاقع لونها ) ، قال : سوداء شديدة السواد .
1219 - حدثني
أبو زائدة زكريا بن يحيى بن أبي زائدة .
والمثنى بن إبراهيم قالا حدثنا
مسلم بن إبراهيم قال ، حدثنا
نوح بن قيس ، عن
محمد بن سيف ، عن
أبي رجاء ، عن
الحسن مثله .
وقال آخرون : معنى ذلك : صفراء القرن والظلف
ذكر من قال ذلك :
1220 - حدثني
هشام بن يونس النهشلي قال ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15730حفص بن غياث ، عن
أشعث ، عن
الحسن في قوله : (
صفراء فاقع لونها ) ، قال : صفراء القرن والظلف .
1221 - حدثني
يعقوب بن إبراهيم قال ، حدثني
هشيم قال ، أخبرنا
جويبر ، عن
كثير بن زياد ، عن
الحسن في قوله : (
صفراء فاقع لونها ) ، قال : كانت وحشية .
[ ص: 200 ] 1222 - حدثني
يعقوب قال ، حدثنا
مروان بن معاوية ، عن
إبراهيم ، عن
أبي حفص ، عن
مغراء - أو عن رجل - ، عن
سعيد بن جبير : (
بقرة صفراء فاقع لونها ) ، قال : صفراء القرن والظلف .
1223 - حدثني
يونس قال ، أخبرنا
ابن وهب قال ، قال
ابن زيد : هي صفراء .
1224 - حدثني
محمد بن عمرو قال ، حدثنا
الضحاك بن مخلد ، عن
عيسى ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد : (
إنها بقرة صفراء فاقع لونها ) ، قال : لو أخذوا بقرة صفراء لأجزأت عنهم .
قال
أبو جعفر : وأحسب أن الذي قال في قوله : ( صفراء ) ، يعني به سوداء ، ذهب إلى قوله في نعت الإبل السود : " هذه إبل صفر ، وهذه ناقة صفراء " يعني بها سوداء . وإنما قيل ذلك في الإبل لأن سوادها يضرب إلى الصفرة ، ومنه قول الشاعر :
تلك خيلي منه وتلك ركابي هن صفر أولادها كالزبيب
[ ص: 201 ] يعني بقوله : " هن صفر " هن سود وذلك إن وصفت الإبل به ، فليس مما توصف به البقر . مع أن العرب لا تصف السواد بالفقوع ، وإنما تصف السواد - إذا وصفته بالشدة - بالحلوكة ونحوها ، فتقول : " هو أسود حالك وحانك وحلكوك ، وأسود غربيب ودجوجي " - ولا تقول : هو أسود فاقع . وإنما تقول : " هو أصفر فاقع " . فوصفه إياه بالفقوع ، من الدليل البين على خلاف التأويل الذي تأول قوله : (
إنها بقرة صفراء فاقع ) المتأول ، بأن معناه سوداء شديدة السواد .