القول في تأويل قوله : (
ومن الأعراب من يتخذ ما ينفق مغرما ويتربص بكم الدوائر عليهم دائرة السوء والله سميع عليم ( 98 ) )
قال
أبو جعفر : يقول - تعالى ذكره - : ومن الأعراب من يعد نفقته التي ينفقها في جهاد مشرك ، أو في معونة مسلم ، أو في بعض ما ندب الله إليه عباده ( مغرما ) يعني : غرما لزمه ، لا يرجو له ثوابا ، ولا يدفع به عن نفسه عقابا (
ويتربص بكم الدوائر ) يقول : وينتظرون بكم الدوائر أن تدور بها الأيام والليالي إلى مكروه ومجيء محبوب ، وغلبة عدو لكم . يقول الله - تعالى ذكره - : (
عليهم دائرة السوء ) يقول : جعل الله دائرة السوء عليهم ، ونزول المكروه بهم لا عليكم - أيها المؤمنون - ولا بكم ( والله سميع ) لدعاء الداعين ( عليم ) بتدبيرهم ، وما هو بهم نازل من عقاب الله ، وما هم إليه صائرون من أليم عقابه .
[ ص: 431 ] وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
17094 - حدثني
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب قال : قال
ابن زيد في قول الله : (
ومن الأعراب من يتخذ ما ينفق مغرما ويتربص بكم الدوائر ) قال : هؤلاء المنافقون من الأعراب الذين إنما ينفقون رياء اتقاء أن يغزوا أو يحاربوا أو يقاتلوا ، ويرون نفقتهم مغرما . ألا تراه يقول : (
ويتربص بكم الدوائر عليهم دائرة السوء ) ؟
واختلفت القرأة في قراءة ذلك .
فقرأ عامة قرأة
أهل المدينة والكوفة : (
عليهم دائرة السوء ) بفتح السين بمعنى النعت ل " الدائرة " وإن كانت " الدائرة " مضافة إليه ، كقولهم : " هو رجل السوء " " وامرؤ الصدق " من كأنه إذا فتح مصدر من قولهم : " سؤته أسوءه سوءا ومساءة ومسائية .
وقرأ ذلك بعض
أهل الحجاز وبعض
البصريين : " عليهم دائرة السوء " بضم السين ، كأنه جعله اسما ، كما يقال : عليه دائرة البلاء والعذاب . ومن قال : " عليهم دائرة السوء " فضم لم يقل : " هذا رجل السوء " بالضم ، " والرجل السوء " وقال الشاعر :
وكنت كذئب السوء لما رأى دما بصاحبه يوما أحال على الدم
[ ص: 432 ] قال
أبو جعفر : والصواب من القراءة في ذلك عندنا بفتح السين بمعنى : عليهم الدائرة التي تسوءهم سوءا . كما يقال : " هو رجل صدق " على وجه النعت .