[ ص: 454 ] القول في تأويل قوله : (
خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم والله سميع عليم ( 103 ) )
قال
أبو جعفر : يقول - تعالى ذكره - لنبيه
محمد - صلى الله عليه وسلم - : يا
محمد خذ من أموال هؤلاء الذين اعترفوا بذنوبهم فتابوا منها (
صدقة تطهرهم ) من دنس ذنوبهم ( وتزكيهم بها ) يقول : وتنميهم وترفعهم عن خسيس منازل أهل النفاق بها إلى منازل أهل الإخلاص (
وصل عليهم ) يقول : وادع لهم بالمغفرة لذنوبهم ، واستغفر لهم منها (
إن صلاتك سكن لهم ) يقول : إن دعاءك واستغفارك طمأنينة لهم ، بأن الله قد عفا عنهم وقبل توبتهم (
والله سميع عليم ) يقول : والله سميع لدعائك إذا دعوت لهم ، ولغير ذلك من كلام خلقه ( عليم ) بما تطلب لهم بدعائك ربك لهم ، وبغير ذلك من أمور عباده .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
17152 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
أبو صالح قال : حدثني
معاوية عن
علي عن
ابن عباس قال :
جاءوا بأموالهم - يعني أبا لبابة وأصحابه حين أطلقوا - فقالوا : يا رسول الله هذه أموالنا فتصدق بها عنا ، واستغفر لنا . قال : ما أمرت أن آخذ من أموالكم شيئا . فأنزل الله : ( خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها ) ، [ ص: 455 ] يعني بالزكاة : طاعة الله والإخلاص ( وصل عليهم ) يقول : استغفر لهم .
17153 - حدثني
محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس ، قال :
لما أطلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبا لبابة وصاحبيه ، انطلق أبو لبابة وصاحباه بأموالهم ، فأتوا بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا : خذ من أموالنا فتصدق بها عنا ، وصل علينا يقولون : استغفر لنا وطهرنا . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لا آخذ منها شيئا حتى أومر . فأنزل الله : ( خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم ) يقول : استغفر لهم من ذنوبهم التي كانوا أصابوا . فلما نزلت هذه الآية أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جزءا من أموالهم ، فتصدق بها عنهم .
17154 - حدثنا
ابن حميد قال : حدثنا
يعقوب عن
nindex.php?page=showalam&ids=15944زيد بن أسلم قال :
لما أطلق النبي - صلى الله عليه وسلم - أبا لبابة والذين ربطوا أنفسهم بالسواري ، قالوا يا رسول الله : خذ من أموالنا صدقة تطهرنا بها ، فأنزل الله : ( خذ من أموالهم صدقة تطهرهم ) الآية .
17155 - حدثنا
ابن وكيع قال : حدثنا
جرير عن
يعقوب عن
جعفر عن
سعيد بن جبير قال : قال الذين ربطوا أنفسهم بالسواري حين عفا عنهم : يا نبي الله طهر أموالنا . فأنزل الله : (
خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها ) وكان الثلاثة إذا اشتكى أحدهم اشتكى الآخران مثله ، وكان عمي منهم اثنان ، فلم يزل الآخر يدعو حتى عمي .
17156 - حدثنا
بشر قال : حدثنا
يزيد قال : حدثنا
سعيد عن
قتادة قال : الأربعة :
جد بن قيس وأبو لبابة وحرام وأوس هم الذين قيل فيهم : (
خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم ) أي وقار لهم ، وكانوا وعدوا من أنفسهم أن ينفقوا ويجاهدوا ويتصدقوا .
[ ص: 456 ] 17157 - حدثت عن
الحسين بن الفرج قال : سمعت
أبا معاذ قال : أخبرنا
عبيد بن سليمان قال : سمعت
الضحاك قال :
لما أطلق نبي الله - صلى الله عليه وسلم - أبا لبابة وأصحابه أتوا نبي الله بأموالهم فقالوا : يا نبي الله خذ من أموالنا فتصدق به عنا ، وطهرنا ، وصل علينا . يقولون : استغفر لنا ، فقال نبي الله : لا آخذ من أموالكم شيئا حتى أومر فيها فأنزل الله - عز وجل - : ( خذ من أموالهم صدقة تطهرهم ) من ذنوبهم التي أصابوا ( وصل عليهم ) يقول : استغفر لهم . ففعل نبي الله - عليه السلام - ما أمره الله به .
17158 - حدثنا
القاسم قال : حدثنا
الحسين قال : حدثني
حجاج عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج قال : قال
ابن عباس : قوله : (
خذ من أموالهم صدقة )
أبو لبابة وأصحابه (
وصل عليهم ) يقول : استغفر لهم ، لذنوبهم التي كانوا أصابوا .
17159 - حدثني
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب قال : قال
ابن زيد في قوله : (
خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم ) قال : هؤلاء ناس من المنافقين ممن كان تخلف عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في غزوة
تبوك ، اعترفوا بالنفاق ، وقالوا : يا رسول الله قد ارتبنا ونافقنا وشككنا ، ولكن توبة جديدة ، وصدقة نخرجها من أموالنا . فقال الله لنبيه - عليه الصلاة والسلام - : (
خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها ) بعد ما قال : (
ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره ) [ سورة التوبة : 84 ] .
واختلف أهل العربية في وجه رفع " تزكيهم " .
فقال بعض نحويي
البصرة : رفع " تزكيهم بها " في الابتداء ، وإن شئت جعلته من صفة " الصدقة " ثم جئت بها توكيدا ، وكذلك " تطهرهم " .
[ ص: 457 ] وقال بعض نحويي
الكوفة : إن كان قوله : ( تطهرهم ) للنبي - عليه السلام - فالاختيار أن تجزم ؛ لأنه لم يعد على " الصدقة " عائد ، ( وتزكيهم ) مستأنف . وإن كانت الصدقة تطهرهم وأنت تزكيهم بها جاز أن تجزم الفعلين وترفعهما .
قال
أبو جعفر : والصواب في ذلك من القول أن قوله : ( تطهرهم ) من صلة " الصدقة " ؛ لأن القرأة مجمعة على رفعها ، وذلك دليل على أنه من صلة " الصدقة " . وأما قوله : (
وتزكيهم بها ) فخبر مستأنف ، بمعنى : وأنت تزكيهم بها ، فلذلك رفع .
واختلف أهل التأويل في
تأويل قوله : ( إن صلاتك سكن لهم ) .
فقال بعضهم : رحمة لهم .
ذكر من قال ذلك :
17160 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
أبو صالح قال : حدثني
معاوية عن
علي عن
ابن عباس (
إن صلاتك سكن لهم ) يقول : رحمة لهم .
وقال آخرون : بل معناه : إن صلاتك وقار لهم .
ذكر من قال ذلك :
17161 - حدثنا
بشر قال : حدثنا
سعيد عن
قتادة : (
إن صلاتك سكن لهم ) أي : وقار لهم .
واختلفت القرأة في قراءة ذلك .
فقرأته قرأة
المدينة : " إن صلواتك سكن لهم " بمعنى دعواتك .
[ ص: 458 ] وقرأ قرأة
العراق وبعض المكيين : (
إن صلاتك سكن لهم ) بمعنى : إن دعاءك .
قال
أبو جعفر : وكأن الذين قرءوا ذلك على التوحيد رأوا أن قراءته بالتوحيد أصح ؛ لأن في التوحيد من معنى الجمع وكثرة العدد ما ليس في قوله : : " إن صلواتك سكن لهم " إذ كانت " الصلوات " هي جمع لما بين الثلاث إلى العشر من العدد ، دون ما هو أكثر من ذلك . والذي قالوا من ذلك - عندنا - كما قالوا . وبالتوحيد عندنا القراءة لا العلة ؛ لأن ذلك في العدد أكثر من " الصلوات " ولكن المقصود منه الخبر عن دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - وصلواته أنه سكن لهؤلاء القوم لا الخبر عن العدد . وإذا كان ذلك كذلك كان التوحيد في " الصلاة " أولى .