[ ص: 579 ] القول في تأويل قوله : (
أولا يرون أنهم يفتنون في كل عام مرة أو مرتين ثم لا يتوبون ولا هم يذكرون ( 126 ) )
قال
أبو جعفر : اختلفت القرأة في قراءة قوله : (
أولا يرون ) .
فقرأته عامة قرأة الأمصار : (
أولا يرون ) بالياء ، بمعنى : أولا يرى هؤلاء الذين في قلوبهم مرض النفاق ؟
وقرأ ذلك
حمزة : " أولا ترون " بالتاء ، بمعنى : أولا ترون أنتم - أيها المؤمنون - أنهم يفتنون ؟
قال
أبو جعفر : والصواب عندنا من القراءة في ذلك الياء ، على وجه التوبيخ من الله لهم ؛ لإجماع الحجة من قرأة الأمصار عليه ، وصحة معناه .
فتأويل الكلام إذا : أولا يرى هؤلاء المنافقون أن الله يختبرهم في كل عام مرة أو مرتين ، بمعنى أنه يختبرهم في بعض الأعوام مرة ، وفي بعضها مرتين (
ثم لا يتوبون ) يقول : ثم هم - مع البلاء الذي يحل بهم من الله والاختبار الذي يعرض لهم - لا ينيبون من نفاقهم ، ولا يتوبون من كفرهم ، ولا هم يتذكرون بما يرون من حجج الله ويعاينون من آياته ، فيتعظوا بها ، ولكنهم مصرون على نفاقهم .
واختلف أهل التأويل في معنى " الفتنة " التي ذكر الله في هذا الموضع أن هؤلاء المنافقين يفتنون بها .
فقال بعضهم : ذلك اختبار الله إياهم بالقحط والشدة .
ذكر من قال ذلك :
[ ص: 580 ] 17490 - حدثنا
ابن وكيع ، حدثنا
ابن نمير ، عن
ورقاء ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد : (
أولا يرون أنهم يفتنون في كل عام مرة أو مرتين ) قال : بالسنة والجوع .
17491 - حدثني
محمد بن عمرو قال : حدثنا
أبو عاصم قال : حدثنا
عيسى ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد في قوله : ( يفتنون ) قال : يبتلون (
في كل عام مرة أو مرتين ) قال : بالسنة والجوع .
17492 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
أبو حذيفة حدثنا
شبل ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد : (
أولا يرون أنهم يفتنون في كل عام مرة أو مرتين ) قال : يبتلون بالعذاب في كل عام مرة أو مرتين .
17493 - حدثنا
القاسم قال : حدثنا
الحسين قال : حدثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
مجاهد قوله : (
يفتنون في كل عام مرة أو مرتين ) قال : بالسنة والجوع .
وقال آخرون : بل معناه : أنهم يختبرون بالغزو والجهاد .
ذكر من قال ذلك :
17494 - حدثنا
بشر قال : حدثنا
يزيد قال : حدثنا
سعيد ، عن
قتادة قوله : (
أولا يرون أنهم يفتنون في كل عام مرة أو مرتين ) قال : يبتلون بالغزو في سبيل الله في كل عام مرة أو مرتين .
17495 - حدثنا
محمد بن عبد الأعلى قال : حدثنا
محمد بن ثور ، عن
معمر ، عن
الحسن مثله .
وقال آخرون : بل معناه : أنهم يختبرون بما يشيع المشركون من الأكاذيب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه ، فيفتتن بذلك الذين في قلوبهم مرض .
[ ص: 581 ] ذكر من قال ذلك :
17496 - حدثنا
أحمد بن إسحاق قال : حدثنا
أبو أحمد قال : حدثنا
شريك ، عن
جابر ، عن
أبي الضحى ، عن
حذيفة : (
أولا يرون أنهم يفتنون في كل عام مرة أو مرتين ) قال : كنا نسمع في كل عام كذبة أو كذبتين ، فيضل بها فئام من الناس كثير .
17497 - حدثنا
ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن
شريك ، عن
جابر ، عن
أبي الضحى ، عن
حذيفة ، قال : كان لهم في كل عام كذبة أو كذبتان .
وأولى الأقوال في ذلك بالصحة أن يقال : إن الله عجب عباده المؤمنين من هؤلاء المنافقين ، ووبخ المنافقين في أنفسهم بقلة تذكرهم ، وسوء تنبههم لمواعظ الله التي يعظهم بها . وجائز أن تكون تلك المواعظ الشدائد التي ينزلها بهم من الجوع والقحط ، وجائز أن تكون ما يريهم من نصرة رسوله على أهل الكفر به ، ويرزقه من إظهار كلمته على كلمتهم ، وجائز أن تكون ما يظهر للمسلمين من نفاقهم وخبث سرائرهم بركونهم إلى ما يسمعون من أراجيف المشركين برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه ، ولا خبر يوجب صحة بعض ذلك دون بعض من الوجه الذي يجب التسليم له . ولا قول في ذلك أولى بالصواب من التسليم لظاهر قول الله وهو : أولا يرون أنهم يختبرون في كل عام مرة أو مرتين ، بما يكون زاجرا لهم ، ثم لا ينزجرون ولا يتعظون ؟