[ ص: 20 ] القول في تأويل قوله تعالى : (
إليه مرجعكم جميعا وعد الله حقا إنه يبدأ الخلق ثم يعيده ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالقسط والذين كفروا لهم شراب من حميم وعذاب أليم بما كانوا يكفرون ( 4 ) )
قال
أبو جعفر : يقول ، تعالى ذكره : إلى ربكم الذي صفته ما وصف جل ثناؤه في الآية قبل هذه ، معادكم ، أيها الناس ، يوم القيامة جميعا . (
وعد الله حقا ) فأخرج (
وعد الله ) مصدرا من قوله : (
إليه مرجعكم ) ، لأنه فيه معنى " الوعد " ومعناه : يعدكم الله أن يحييكم بعد مماتكم وعدا حقا ، فلذلك نصب (
وعد الله حقا ) (
إنه يبدأ الخلق ثم يعيده ) يقول ، تعالى ذكره : إن ربكم يبدأ إنشاء الخلق وإحداثه وإيجاده (
ثم يعيده ) ، يقول : ثم يعيده فيوجده حيا كهيئته يوم ابتدأه ، بعد فنائه وبلائه . كما :
17548 - حدثني
محمد بن عمرو قال : حدثنا
أبو عاصم قال : حدثنا
عيسى عن
ابن أبي نجيح عن
مجاهد : (
يبدأ الخلق ثم يعيده ) ، قال : يحييه ثم يميته قال
أبو جعفر : وأحسبه أنا قال : " ثم يحييه " .
17549 - حدثنا
ابن وكيع قال : حدثنا
عبد الله بن رجاء عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج عن
عبد الله بن كثير عن
مجاهد : (
يبدأ الخلق ثم يعيده ) ، قال : يحييه ثم يميته ، ثم يحييه .
17550 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
أبو حذيفة قال : حدثنا
شبل عن
[ ص: 21 ] ابن أبي نجيح عن
مجاهد : (
إنه يبدأ الخلق ثم يعيده ) ، : يحييه ، ثم يميته ، ثم يبدؤه ، ثم يحييه .
17551 - . . . . قال : حدثنا
إسحاق قال : حدثنا
ابن أبي جعفر عن
ورقاء عن
ابن أبي نجيح عن
مجاهد بنحوه .
وقرأت قراء الأمصار ذلك : (
إنه يبدأ الخلق ) ، بكسر الألف من ( إنه ) على الاستئناف .
وذكر عن
nindex.php?page=showalam&ids=11960أبي جعفر الرازي أنه قرأه ( أنه ) بفتح الألف من ( أنه ) .
كأنه أراد : حقا أنه يبدأ الخلق ثم يعيده ، ف " أن " حينئذ تكون رفعا ، كما قال الشاعر :
أحقا عباد الله أن لست زائرا ربى جنة إلا علي رقيب
وقوله : (
ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالقسط ) ، يقول : ثم يعيده من بعد مماته كهيئته قبل مماته عند بعثه من قبره (
ليجزي الذين آمنوا ) ليثيب من صدق الله ورسوله وعملوا ما أمرهم الله به من الأعمال ، واجتنبوا ما نهاهم عنه ، على أعمالهم الحسنة ( بالقسط ) يقول : ليجزيهم على الحسن من أعمالهم التي عملوها في الدنيا الحسن من الثواب ، والصالح من الجزاء في الآخرة وذلك هو " القسط " ، و " القسط " العدل والإنصاف ، كما :
17552 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
أبو حذيفة قال : حدثنا
شبل عن
[ ص: 22 ] ابن أبي نجيح عن
مجاهد : ( بالقسط ) بالعدل .
وقوله : (
والذين كفروا لهم شراب من حميم ) فإنه جل ثناؤه ابتدأ الخبر عما أعد الله للذين كفروا من العذاب ، وفيه معنى العطف على الأول ؛ لأنه تعالى ذكره عم بالخبر عن معاد جميعهم - كفارهم ومؤمنيهم - إليه ، ثم أخبر أن إعادتهم ليجزي كل فريق بما عمل ؛ المحسن منهم بالإحسان ، والمسيء بالإساءة . ولكن لما كان قد تقدم الخبر المستأنف عما أعد للذين كفروا من العذاب ، ما يدل سامع ذلك على المراد ، ابتدأ الخبر ، والمعني العطف فقال : والذين جحدوا الله ورسوله وكذبوا بآيات الله (
لهم شراب ) في جهنم (
من حميم ) وذلك شراب قد أغلي واشتد حره ، حتى إنه فيما ذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم ليتساقط من أحدهم حين يدنيه منه فروة رأسه ، وكما وصفه جل ثناؤه : (
كالمهل يشوي الوجوه ) ، [ سورة الكهف : 29 ] .
وأصله : " مفعول " صرف إلى " فعيل " وإنما هو " محموم " : أي مسخن ، وكل مسخن عند العرب فهو حميم .
ومنه قول
المرقش :
وكل يوم لها مقطرة فيها كباء معد وحميم
يعني ب " الحميم " ، الماء المسخن .
وقوله : ( عذاب أليم ) ، يقول : ولهم مع ذلك عذاب موجع ، سوى الشراب من الحميم ، بما كانوا يكفرون بالله ورسوله .