[ ص: 23 ] القول في تأويل قوله تعالى : (
هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب ما خلق الله ذلك إلا بالحق يفصل الآيات لقوم يعلمون ( 5 ) )
قال
أبو جعفر : يقول ، تعالى ذكره : إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض (
هو الذي جعل الشمس ضياء ) ، بالنهار (
والقمر نورا ) بالليل . ومعنى ذلك : هو الذي أضاء الشمس وأنار القمر (
وقدره منازل ) ، يقول : قضاه فسواه منازل ، لا يجاوزها ولا يقصر دونها ، على حال واحدة أبدا .
وقال : (
وقدره منازل ) ، فوحده ، وقد ذكر " الشمس " و " القمر " ، فإن في ذلك وجهين :
أحدهما : أن تكون " الهاء " في قوله : ( وقدره ) للقمر خاصة ، لأن بالأهلة يعرف انقضاء الشهور والسنين ، لا بالشمس .
والآخر : أن يكون اكتفى بذكر أحدهما عن الآخر ، كما قال في موضع آخر : (
والله ورسوله أحق أن يرضوه ) ، [ سورة التوبة : 62 ] ، وكما قال الشاعر :
رماني بأمر كنت منه ووالدي بريا ، ومن جول الطوي رماني
[ ص: 24 ]
وقوله : (
لتعلموا عدد السنين والحساب ) ، يقول : وقدر ذلك منازل ( لتعلموا ) ، أنتم أيها الناس (
عدد السنين ) ، دخول ما يدخل منها ، أو انقضاء ما يستقبل منها وحسابها ، يقول : وحساب أوقات السنين ، وعدد أيامها ، وحساب ساعات أيامها (
ما خلق الله ذلك إلا بالحق ) ، يقول جل ثناؤه :
لم يخلق الله الشمس والقمر ومنازلهما إلا بالحق . يقول الحق ، تعالى ذكره : خلقت ذلك كله بحق وحدي ، بغير عون ولا شريك (
يفصل الآيات ) يقول : يبين الحجج والأدلة (
لقوم يعلمون ) ، إذا تدبروها ، حقيقة وحدانية الله وصحة ما يدعوهم إليه
محمد صلى الله عليه وسلم ، من خلع الأنداد ، والبراءة من الأوثان .