القول في تأويل قوله تعالى : (
قل لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أدراكم به فقد لبثت فيكم عمرا من قبله أفلا تعقلون ( 16 ) )
قال
أبو جعفر : يقول تعالى ذكره لنبيه ، معرفه الحجة على هؤلاء المشركين الذين قالوا له : (
ائت بقرآن غير هذا أو بدله ) ( قل ) لهم ، يا
محمد (
لو شاء الله ما تلوته عليكم ) أي : ما تلوت هذا القرآن عليكم ، أيها الناس ، بأن كان لا ينزله علي فيأمرني بتلاوته عليكم (
ولا أدراكم به ) ، يقول : ولا أعلمكم به (
فقد لبثت فيكم عمرا من قبله ) يقول : فقد مكثت فيكم أربعين سنة من قبل أن أتلوه عليكم ، ومن قبل أن يوحيه إلي ربي (
أفلا تعقلون ) ، أني لو كنت منتحلا ما ليس لي من القول ، كنت قد انتحلته في أيام شبابي وحداثتي ، وقبل الوقت الذي تلوته عليكم ؟ فقد كان لي اليوم ، لو لم يوح إلي وأومر بتلاوته عليكم ، مندوحة عن معاداتكم ، ومتسع ، في الحال التي كنت بها
[ ص: 42 ] منكم قبل أن يوحى إلي وأومر بتلاوته عليكم .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
17581 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
عبد الله قال : حدثني
معاوية عن
علي عن
ابن عباس قوله : (
ولا أدراكم به ) ، ولا أعلمكم .
17582 - حدثني
محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي عن أبيه ، عن
ابن عباس قوله : (
لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أدراكم به ) ، يقول : لو شاء الله لم يعلمكموه .
17583 - حدثنا
القاسم قال : حدثنا
الحسين قال : حدثني
حجاج عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج قال : قال
ابن عباس : (
لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أدراكم به ) ، يقول : ما حذرتكم به .
17584 - حدثنا
بشر قال : حدثنا
يزيد قال : حدثنا
سعيد عن
قتادة قوله : (
وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين لا يرجون لقاءنا ائت بقرآن غير هذا أو بدله ) ، وهو قول مشركي
أهل مكة للنبي صلى الله عليه وسلم . ثم قال لنبيه صلى الله عليه وسلم : (
قل لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أدراكم به فقد لبثت فيكم عمرا من قبله أفلا تعقلون ) ، لبث أربعين سنة .
17585 - حدثني
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب قال : قال
ابن زيد في قوله : (
قل لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أدراكم به ) ولا أعلمكم به .
17586 - حدثني
محمد بن عبد الأعلى قال : حدثنا
محمد بن ثور عن
معمر عن
الحسن أنه كان يقرأ : ( ولا أدرأتكم به ) ، يقول : ما أعلمتكم به .
17587 - حدثت عن
الحسين بن الفرج قال : سمعت
أبا معاذ يقول ،
[ ص: 43 ] أخبرنا
عبيد قال : سمعت
الضحاك يقول في قوله : (
ولا أدراكم به ) يقول : ولا أشعركم الله به .
قال
أبو جعفر : وهذه القراءة التي حكيت عن
الحسن عند أهل العربية غلط .
وكان
الفراء يقول في ذلك : قد ذكر عن
الحسن أنه قال : ( ولا أدرأتكم به ) . قال : فإن يكن فيها لغة سوى " دريت " و " أدريت " فلعل
الحسن ذهب إليها . وأما أن تصلح من " دريت " أو " أدريت " فلا لأن الياء والواو إذا انفتح ما قبلهما وسكنتا صحتا ولم تنقلبا إلى ألف ، مثل " قضيت " و " دعوت " . ولعل
الحسن ذهب إلى طبيعته وفصاحته فهمزها ، لأنها تضارع " درأت الحد " وشبهه . وربما غلطت العرب في الحرف إذا ضارعه آخر من الهمز فيهمزون غير المهموز . وسمعت امرأة من طي تقول : " رثأت زوجي بأبيات " ويقولون : " لبأت بالحج " و " حلأت السويق " ، فيغلطون ؛ لأن " حلأت " قد يقال في دفع العطاش ، من الإبل ، و " لبأت " : ذهبت به إلى " اللبأ " لبأ الشاء ، و " رثأت زوجي " ذهبت به إلى . . . . . " رثأت اللبن " إذا أنت حلبت الحليب على الرائب ، فتلك " الرثيثة " .
وكان بعض
البصريين يقول : لا وجه لقراءة
الحسن هذه لأنها من " أدريت " مثل " أعطيت " إلا أن لغة
لبني عقيل
: " أعطأت " يريدون : " أعطيت " تحول الياء ألفا ، قال الشاعر :
[ ص: 44 ] لقد آذنت أهل اليمامة طيئ بحرب كناصاة الأغر المشهر
يريد : كناصية ، حكي ذلك عن
المفضل وقال
زيد الخيل :
لعمرك ما أخشى التصعلك ما بقا على الأرض قيسي يسوق الأباعرا
فقال " بقا " وقال الشاعر :
لزجرت قلبا لا يريع لزاجر إن الغوي إذا نها لم يعتب
يريد " نهي " . قال : وهذا كله على قراءة
الحسن وهي مرغوب عنها ، قال : وطيئ تصير كل ياء انكسر ما قبلها ألفا ، يقولون : " هذه جاراة "
وفي " الترقوة " " ترقاة " و " العرقوة " " عرقاة " . قال : وقال بعض طيئ : " قد لقت فزارة " ، حذف الياء من " لقيت " لما لم يمكنه أن يحولها ألفا ، لسكون التاء ، فيلتقي ساكنان . وقال : زعم
يونس أن " نسا " و " رضا " لغة معروفة ، قال الشاعر :
[ ص: 45 ] وأنبئت بالأعراض ذا البطن خالدا نسا أو تناسى أن يعد المواليا
وروي عن
ابن عباس في قراءة ذلك أيضا رواية أخرى ، وهي ما :
17588 - حدثنا به
المثنى قال : حدثنا
المعلى بن أسد قال : حدثنا
خالد بن حنظلة عن
nindex.php?page=showalam&ids=16128شهر بن حوشب عن
ابن عباس : أنه كان يقرأ : ( قل لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أنذرتكم به ) .
قال
أبو جعفر : والقراءة التي لا نستجيز أن نعدوها ، هي القراءة التي عليها قراء الأمصار : (
قل لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أدراكم به ) ، بمعنى : ولا أعلمكم به ، ولا أشعركم به . . .