القول في تأويل قوله تعالى : (
فلما أنجاهم إذا هم يبغون في الأرض بغير الحق يا أيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم متاع الحياة الدنيا ثم إلينا مرجعكم فننبئكم بما كنتم تعملون ( 23 ) )
قال
أبو جعفر : يقول ، تعالى ذكره : فلما أنجى الله هؤلاء الذين ظنوا في البحر أنهم أحيط بهم ، من الجهد الذي كانوا فيه ، أخلفوا الله ما وعدوه ، وبغوا في الأرض ، فتجاوزوا فيها إلى غير ما أذن الله لهم فيه ، من الكفر به ، والعمل بمعاصيه على ظهرها .
يقول الله : يا أيها الناس ، إنما اعتداؤكم الذي تعتدونه على أنفسكم ، وإياها تظلمون . وهذا الذي أنتم فيه (
متاع الحياة الدنيا ) ، يقول : ذلك بلاغ تبلغون به في عاجل دنياكم .
وعلى هذا التأويل ، " البغي " يكون مرفوعا بالعائد من ذكره في قوله : ( على
[ ص: 54 ] أنفسكم ) ويكون قوله (
متاع الحياة الدنيا ) ، مرفوعا على معنى : ذلك متاع الحياة الدنيا ، كما قال : (
لم يلبثوا إلا ساعة من نهار بلاغ ) ، [ سورة الأحقاف : 35 ] ، بمعنى : هذا بلاغ .
وقد يحتمل أن يكون معنى ذلك : إنما بغيكم في الحياة الدنيا على أنفسكم ، لأنكم بكفركم تكسبونها غضب الله ، متاع الحياة الدنيا ، كأنه قال : إنما بغيكم متاع الحياة الدنيا ، فيكون " البغي " مرفوعا ب " المتاع " و " على أنفسكم " من صلة " البغي " .
وبرفع " المتاع " قرأت القراء سوى
عبد الله بن أبي إسحاق فإنه نصبه ، بمعنى : إنما بغيكم على أنفسكم متاعا في الحياة الدنيا ، فجعل " البغي " مرفوعا بقوله : (
على أنفسكم ) ، و " المتاع " منصوبا على الحال .
وقوله : (
ثم إلينا مرجعكم ) يقول : ثم إلينا بعد ذلك معادكم ومصيركم ، وذلك بعد الممات يقول : فنخبركم يوم القيامة بما كنتم تعملون في الدنيا من معاصي الله ، ونجازيكم على أعمالكم التي سلفت منكم في الدنيا .