القول في تأويل قوله تعالى : (
قل هل من شركائكم من يهدي إلى الحق قل الله يهدي للحق أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون ( 35 ) )
قال
أبو جعفر : يقول تعالى ذكره لنبيه
محمد صلى الله عليه وسلم : ( قل ) يا
محمد لهؤلاء المشركين (
هل من شركائكم ) الذين تدعون من دون الله ، وذلك آلهتهم وأوثانهم ، (
من يهدي إلى الحق ) يقول : من يرشد ضالا من ضلالته
[ ص: 87 ] إلى قصد السبيل ، ويسدد جائرا عن الهدى إلى واضح الطريق المستقيم ؟ فإنهم لا يقدرون أن يدعوا أن آلهتهم وأوثانهم ترشد ضالا أو تهدي جائرا . وذلك أنهم إن ادعوا ذلك لها أكذبتهم المشاهدة ، وأبان عجزها عن ذلك الاختبار بالمعاينة . فإذا قالوا : " لا " ، وأقروا بذلك ، فقل لهم : فالله يهدي الضال عن الهدى إلى الحق (
أفمن يهدي ) أيها القوم ضالا إلى الحق ، وجائرا عن الرشد إلى الرشد (
أحق أن يتبع ) ، إلى ما يدعو إليه (
أم من لا يهدي إلا أن يهدى ) ؟
واختلفت القرأة في قراءة ذلك .
فقرأته عامة قراء
أهل المدينة : (
أمن لا يهدي ) بتسكين الهاء ، وتشديد الدال ، فجمعوا بين ساكنين وكأن الذي دعاهم إلى ذلك أنهم وجهوا أصل الكلمة إلى أنه : أم من لا يهتدي ، ووجدوه في خط المصحف بغير ما قرءوا ، وأن التاء حذفت لما أدغمت في الدال ، فأقروا الهاء ساكنة على أصلها الذي كانت عليه ، وشددوا الدال طلبا لإدغام التاء فيها ، فاجتمع بذلك سكون الهاء والدال . وكذلك فعلوا في قوله : (
وقلنا لهم لا تعدوا في السبت ) [ سورة النساء : 154 ] ، وفي قوله : ( يخصمون ) ، [ سورة يس : 49 ] .
وقرأ ذلك بعض قراء
أهل مكة والشام والبصرة " ( يهدي ) بفتح الهاء وتشديد الدال . وأموا ما أمه المدنيون من الكلمة ، غير أنهم نقلوا حركة التاء من " يهتدي " : إلى الهاء الساكنة ، فحركوا بحركتها ، وأدغموا التاء في الدال فشددوها .
[ ص: 88 ]
وقرأ ذلك بعض قراء الكوفة : ( يهدي ) ، بفتح الياء ، وكسر الهاء ، وتشديد الدال ، بنحو ما قصده قراء
أهل المدينة ، غير أنه كسر الهاء لكسرة الدال من " يهتدي " استثقالا للفتحة بعدها كسرة في حرف واحد .
وقرأ ذلك بعد ، عامة قراء الكوفيين ( أم من لا يهدي ) ، بتسكين الهاء وتخفيف الدال . وقالوا : إن العرب تقول : " هديت " بمعنى " اهتديت " قالوا : فمعنى قوله : ( أم من لا يهدي ) : أم من لا يهتدي إلا أن يهدى .
قال
أبو جعفر : وأولى القراءة في ذلك بالصواب ، قراءة من قرأ : ( أم من لا يهدي ) بفتح الهاء وتشديد الدال ، لما وصفنا من العلة لقارئ ذلك كذلك ، وأن ذلك لا يدفع صحته ذو علم بكلام العرب ، وفيهم المنكر غيره . وأحق الكلام أن يقرأ بأفصح اللغات التي نزل بها كلام الله .
فتأويل الكلام إذا : أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع ، أم من لا يهتدي إلى شيء إلا أن يهدى ؟
وكان بعض أهل التأويل يزعم أن معنى ذلك : أم من لا يقدر أن ينتقل عن مكانه إلا أن ينقل .
وكان
مجاهد يقول في تأويل ذلك ما :
17660 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
أبو حذيفة قال : حدثنا
شبل عن
ابن أبي نجيح عن
مجاهد : (
أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أم من لا يهدي إلا أن يهدى ) قال : الأوثان ، الله يهدي منها ومن غيرها من شاء لمن شاء .
[ ص: 89 ]
17661 - حدثنا
القاسم قال : حدثنا
الحسين قال : حدثني
حجاج عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج عن
مجاهد قوله : (
أمن لا يهدي إلا أن يهدى ) ، قال : قال : الوثن .
وقوله : (
فما لكم كيف تحكمون ) ألا تعلمون أن من يهدي إلى الحق أحق أن يتبع من الذي لا يهتدي إلى شيء ، إلا أن يهديه إليه هاد غيره ، فتتركوا اتباع من لا يهتدي إلى شيء وعبادته ، وتتبعوا من يهديكم في ظلمات البر والبحر ، وتخلصوا له العبادة فتفردوه بها وحده ، دون ما تشركونه فيها من آلهتكم وأوثانكم ؟