القول في
تأويل قوله تعالى : ( أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين ( 38 ) )
قال
أبو جعفر : يقول ، تعالى ذكره : أم يقول هؤلاء المشركون : افترى
محمد هذا القرآن من نفسه فاختلقه وافتعله ؟ قل يا
محمد لهم : إن كان كما تقولون إني اختلقته وافتريته ، فإنكم مثلي من العرب ، ولساني مثل لسانكم ، وكلامي [ مثل كلامكم ] ، فجيئوا بسورة مثل هذا القرآن .
و " الهاء " في قوله : " مثله " كناية عن القرآن .
وقد كان بعض نحويي
البصرة يقول : معنى ذلك : قل فأتوا بسورة مثل سورته ثم ألقيت " سورة " ، وأضيف " المثل " إلى ما كان مضافا إليه " السورة " كما قيل : (
واسأل القرية ) [ سورة يوسف : 82 ] يراد به : واسأل أهل القرية .
[ ص: 92 ]
وكان بعضهم ينكر ذلك من قوله ، ويزعم أن معناه : فأتوا بقرآن مثل هذا القرآن .
قال
أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك عندي ، أن " السورة " إنما هي سورة من القرآن ، وهي قرآن ، وإن لم تكن جميع القرآن . فقيل لهم : (
فأتوا بسورة مثله ) ، ولم يقل : " مثلها " لأن الكناية أخرجت على المعنى أعني معنى " السورة " لا على لفظها ، لأنها لو أخرجت على لفظها لقيل : " فأتوا بسورة مثلها " .
(
وادعوا من استطعتم من دون الله ) يقول : وادعوا ، أيها المشركون على أن يأتوا بسورة مثلها من قدرتم أن تدعوا على ذلك من أوليائكم وشركائكم (
من دون الله ) ، يقول : من عند غير الله ، فأجمعوا على ذلك واجتهدوا ، فإنكم لا تستطيعون أن تأتوا بسورة مثله أبدا .
وقوله : (
إن كنتم صادقين ) ، يقول : إن كنتم صادقين في أن
محمدا افتراه ، فأتوا بسورة مثله من جميع من يعينكم على الإتيان بها . فإن لم تفعلوا ذلك ، فلا شك أنكم كذبة في زعمكم أن
محمدا افتراه ، لأن
محمدا لن يعدو أن يكون بشرا مثلكم ، فإذا عجز الجميع من الخلق أن يأتوا بسورة مثله ، فالواحد منهم عن أن يأتي بجميعه أعجز .