القول في تأويل قوله تعالى : (
فلما جاءهم الحق من عندنا قالوا إن هذا لسحر مبين ( 76 )
قال موسى أتقولون للحق لما جاءكم أسحر هذا ولا يفلح الساحرون ( 77 ) )
قال
أبو جعفر : يقول ، تعالى ذكره : (
فلما جاءهم الحق من عندنا ) ، يعني : فلما جاءهم بيان ما دعاهم إليه موسى
وهارون وذلك الحجج التي جاءهم بها ، وهي الحق الذي جاءهم من عند الله (
قالوا إن هذا لسحر مبين ) ، يعنون أنه يبين لمن رآه وعاينه أنه سحر لا حقيقة له (
قال موسى ) ، لهم : (
أتقولون للحق لما جاءكم ) ، من عند الله (
أسحر هذا ) ؟ .
واختلف أهل العربية في سبب دخول ألف الاستفهام في قوله : (
أسحر هذا ) ؟ فقال بعض نحويي
البصرة : أدخلت فيه على الحكاية لقولهم ، لأنهم قالوا : (
أسحر هذا ) ؟ فقال : أتقولون : (
أسحر هذا ) ؟
[ ص: 156 ]
وقال بعض نحويي
الكوفة : إنهم قالوا : " هذا سحر " ولم يقولوه بالألف ، لأن أكثر ما جاء بغير ألف . قال : فيقال : فلم أدخلت الألف ؟ فيقال : قد يجوز أن تكون من قيلهم وهم يعلمون أنه سحر ، كما يقول الرجل للجائزة إذا أتته : أحق هذا ؟ وقد علم أنه حق . قال : وقد يجوز أن تكون على التعجب منهم : أسحر هذا ؟ ما أعظمه!
قال
أبو جعفر : وأولى ذلك في هذا بالصواب عندي أن يكون المفعول محذوفا ، ويكون قوله : (
أسحر هذا ) ، من قيل موسى ، منكرا على فرعون وملئه قولهم للحق لما جاءهم : " سحر " ، فيكون تأويل الكلام حينئذ : قال موسى لهم : (
أتقولون للحق لما جاءكم ) وهي الآيات التي أتاهم بها من عند الله حجة له على صدقه سحر ، أسحر هذا الحق الذي ترونه ؟ فيكون " السحر " الأول محذوفا ، اكتفاء بدلالة قول موسى (
أسحر هذا ) ، على أنه مراد في الكلام ، كما قال
nindex.php?page=showalam&ids=15871ذو الرمة .
فلما لبسن الليل ، أو حين نصبت له من خدا آذانها وهو جانح
يريد : أو حين أقبل ، ثم حذف اكتفاء بدلالة الكلام عليه ، وكما قال جل ثناؤه : (
فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم ) [ سورة الإسراء : 7 ] ، والمعنى : بعثناهم ليسوءوا وجوهكم فترك ذلك اكتفاء بدلالة الكلام عليه ، في أشباه لما ذكرنا كثيرة يتعب إحصاؤها .
وقوله : (
ولا يفلح الساحرون ) يقول : ولا ينجح الساحرون ولا يبقون .