القول في تأويل قوله تعالى : (
ولئن أذقناه نعماء بعد ضراء مسته ليقولن ذهب السيئات عني إنه لفرح فخور ( 10 )
إلا الذين صبروا وعملوا الصالحات أولئك لهم مغفرة وأجر كبير ( 11 ) )
قال
أبو جعفر : يقول ، تعالى ذكره : ولئن نحن بسطنا للإنسان في دنياه ، ورزقناه رخاء في عيشه ، ووسعنا عليه في رزقه ، وذلك هي النعم التي قال الله جل ثناؤه : (
ولئن أذقناه نعماء ) وقوله : (
بعد ضراء مسته ) ، يقول : بعد ضيق من العيش كان فيه ، وعسرة كان يعالجها (
ليقولن ذهب السيئات عني ) ، يقول ، تعالى ذكره : ليقولن عند ذلك : ذهب الضيق والعسرة عني ، وزالت الشدائد والمكاره (
إنه لفرح فخور ) ، يقول ، تعالى ذكره : إن الإنسان لفرح بالنعم
[ ص: 257 ] التي يعطاها مسرور بها
( فخور ) ، يقول :
ذو فخر بما نال من السعة في الدنيا ، وما بسط له فيها من العيش ، وينسى صروفها ، ونكد العوائص فيها ، ويدع طلب النعيم الذي يبقى ، والسرور الذي يدوم فلا يزول .
18005 - حدثنا
القاسم قال : حدثنا
الحسين قال : حدثنا
حجاج عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج قوله : (
ذهب السيئات عني ) ، غرة بالله وجراءة عليه (
إنه لفرح ) ، والله لا يحب الفرحين ( فخور ) ، بعد ما أعطي ، وهو لا يشكر الله .
ثم استثنى جل ثناؤه من الإنسان الذي وصفه بهاتين الصفتين : " الذين صبروا وعملوا الصالحات " . وإنما جاز استثناؤهم منه لأن " الإنسان " بمعنى الجنس ومعنى الجمع . وهو كقوله : (
والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات ) ، [ سورة العصر : 1 - 3 ] ،
فقال ، تعالى ذكره : (
إلا الذين صبروا وعملوا الصالحات ) ، فإنهم إن تأتهم شدة من الدنيا وعسرة فيها ، لم يثنهم ذلك عن طاعة الله ، ولكنهم صبروا لأمره وقضائه . فإن نالوا فيها رخاء وسعة ، شكروه وأدوا حقوقه بما آتاهم منها . يقول الله : (
أولئك لهم مغفرة ) يغفرها لهم ، ولا يفضحهم بها في معادهم (
وأجر كبير ) ، يقول : ولهم من الله مع مغفرة ذنوبهم ، ثواب على أعمالهم الصالحة التي عملوها في دار الدنيا ، جزيل ، وجزاء عظيم .
18006 - حدثنا
القاسم قال : حدثنا
الحسين قال : حدثني
حجاج عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج : (
إلا الذين صبروا ) ، عند البلاء ، (
وعملوا الصالحات ) ، عند النعمة
[ ص: 258 ] (
أولئك لهم مغفرة ) ، لذنوبهم (
وأجر كبير ) ، قال : الجنة .