[ ص: 310 ] القول في تأويل
قوله تعالى : ( ويصنع الفلك وكلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه قال إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون ( 38 )
فسوف تعلمون )
قال
أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : ويصنع
نوح السفينة ، وكلما مر عليه جماعة من كبراء قومه (
سخروا منه ) ، يقول : هزئوا من
نوح ، ويقولون له : أتحولت نجارا بعد النبوة ، وتعمل السفينة في البر ؟ فيقول لهم
نوح : (
إن تسخروا منا ) ، إن تهزءوا منا اليوم ، فإنا نهزأ منكم في الآخرة ، كما تهزءون منا في الدنيا (
فسوف تعلمون ) ، إذا عاينتم عذاب الله ، من الذي كان إلى نفسه مسيئا منا .
وكانت صنعة
نوح السفينة ، كما : -
18133 - حدثني
المثنى وصالح بن مسمار قالا حدثنا
ابن أبي مريم قال ، أخبرنا
موسى بن يعقوب قال ، حدثني
فائد مولى عبيد الله بن علي بن أبي رافع : أن
إبراهيم بن عبد الرحمن بن أبي ربيعة ، أخبره : أن
عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=812752لو رحم الله أحدا من قوم نوح لرحم أم الصبي ! قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كان نوح مكث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما يدعوهم إلى الله ، حتى كان آخر زمانه غرس شجرة ، فعظمت وذهبت كل مذهب ، ثم قطعها ، ثم جعل يعمل سفينة ، ويمرون فيسألونه ، فيقول : أعملها سفينة ! فيسخرون منه ويقولون : تعمل سفينة في البر فكيف تجري ! فيقول : سوف تعلمون . فلما فرغ منها ، [ ص: 311 ] وفار التنور ، وكثر الماء في السكك ، خشيت أم الصبي عليه ، وكانت تحبه حبا شديدا ، فخرجت إلى الجبل حتى بلغت ثلثه . فلما بلغها الماء خرجت حتى بلغت ثلثي الجبل . فلما بلغها الماء خرجت ، حتى استوت على الجبل ، فلما بلغ الماء رقبتها رفعته بين يديها ، حتى ذهب بها الماء . فلو رحم الله منهم أحدا لرحم أم الصبي .
18134 - حدثنا
بشر قال ، حدثنا
يزيد قال ، حدثنا
سعيد ، عن
قتادة قال : ذكر لنا أن طول السفينة ثلاثمائة ذراع ، وعرضها خمسون ذراعا ، وطولها في السماء ثلاثون ذراعا ، وبابها في عرضها
18135 - حدثني
الحارث قال ، حدثنا
عبد العزيز قال ، حدثنا
مبارك ، عن
الحسن ، قال : كان
طول سفينة نوح ألف ذراع ومائتي ذراع ، وعرضها ستمائة ذراع .
18136 - حدثنا
القاسم قال ، حدثنا
الحسين قال ، حدثني
حجاج ، عن
[ ص: 312 ] مفضل بن فضالة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16621علي بن زيد بن جدعان ، عن
يوسف بن مهران ، عن
ابن عباس ، قال : قال
الحواريون لعيسى ابن مريم : لو بعثت لنا رجلا شهد السفينة فحدثنا عنها ! قال : فانطلق بهم حتى انتهى بهم إلى كثيب من تراب ، فأخذ كفا من ذلك التراب بكفه ، قال : أتدرون ما هذا؟ قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : هذا
كعب حام بن نوح . قال : فضرب الكثيب بعصاه ، قال : قم بإذن الله ! فإذا هو قائم ينفض التراب عن رأسه قد شاب ، قال له
عيسى : هكذا هلكت ؟ قال : لا ولكن مت وأنا شاب ، ولكني ظننت أنها الساعة ، فمن ثم شبت . قال : حدثنا عن سفينة
نوح . قال : كان طولها ألف ذراع ومائتي ذراع ، وعرضها ستمائة ذراع ، وكانت ثلاث طبقات ، فطبقة فيها الدواب والوحش ، وطبقة فيها الإنس ، وطبقة فيها الطير . فلما كثر أرواث الدواب ، أوحى الله إلى
نوح أن اغمز ذنب الفيل ، فغمزه فوقع منه خنزير وخنزيرة ، فأقبلا على الروث . فلما وقع الفأر بجرز السفينة يقرضه ، أوحى الله إلى
نوح أن اضرب بين عيني الأسد ، فخرج من منخره سنور وسنورة ، فأقبلا على الفأر ، فقال له
عيسى : كيف علم
نوح أن البلاد قد غرقت؟ قال : بعث الغراب يأتيه بالخبر ، فوجد جيفة فوقع عليها ، فدعا عليه بالخوف ، فلذلك لا يألف البيوت قال : ثم بعث الحمامة فجاءت بورق زيتون بمنقارها وطين برجليها ، فعلم أن البلاد قد غرقت قال : فطوقها الخضرة التي في عنقها ، ودعا لها أن تكون في أنس وأمان ، فمن ثم تألف البيوت . قال : فقلنا يا رسول الله ألا ننطلق به إلى أهلينا ، فيجلس معنا ، ويحدثنا؟ قال : كيف يتبعكم من لا رزق له؟ قال : فقال له : عد بإذن الله ، قال : فعاد ترابا .
[ ص: 313 ]
18137 - حدثنا
ابن حميد قال ، حدثنا
سلمة ، عن
محمد بن إسحاق عمن لا يتهم عن
nindex.php?page=showalam&ids=16531عبيد بن عمير الليثي : أنه كان يحدث أنه بلغه أنهم كانوا يبطشون به يعني
قوم نوح فيخنقونه حتى يغشى عليه ، فإذا أفاق قال : "اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون" ، حتى إذا تمادوا في المعصية ، وعظمت في الأرض منهم الخطيئة ، وتطاول عليه وعليهم الشأن ، واشتد عليه منهم البلاء ، وانتظر النجل بعد النجل ، فلا يأتي قرن إلا كان أخبث من القرن الذي قبله ، حتى إن كان الآخر منهم ليقول : "قد كان هذا مع آبائنا ومع أجدادنا هكذا مجنونا" ! لا يقبلون منه شيئا . حتى شكا ذلك من أمرهم
نوح إلى الله تعالى ، كما قص الله علينا في كتابه : (
رب إني دعوت قومي ليلا ونهارا فلم يزدهم دعائي إلا فرارا ) ، إلى آخر القصة ، حتى قال : (
رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا ) ، إلى آخر القصة [ سورة نوح : 5 - 28 ] . فلما شكا ذلك منهم
نوح إلى الله واستنصره عليهم ، أوحى الله إليه (
أن اصنع الفلك بأعيننا ووحينا ولا تخاطبني في الذين ظلموا ) ، أي : بعد اليوم ، (
إنهم مغرقون ) . فأقبل
نوح على عمل الفلك ، ولهي عن قومه ، وجعل يقطع الخشب ، ويضرب الحديد ، ويهيئ عدة الفلك من القار وغيره مما لا يصلحه إلا هو ، وجعل قومه يمرون به وهو في ذلك من عمله ، فيسخرون منه ويستهزئون به ، فيقول : (
إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم حتى إذا ) ، قال : ويقولون فيما بلغني : يا
نوح قد صرت نجارا بعد النبوة ! قال : وأعقم الله أرحام النساء ، فلا يولد لهم ولد . قال : ويزعم أهل التوراة أن الله أمره أن يصنع الفلك من خشب الساج ، وأن يصنعه أزور ، وأن يطليه بالقار من داخله وخارجه ، وأن يجعل طوله ثمانين ذراعا ، وأن يجعله ثلاثة أطباق : سفلا ووسطا وعلوا ، وأن يجعل فيه كوى . ففعل
نوح كما أمره الله ، حتى إذا فرغ منه وقد عهد الله إليه (
إذا جاء أمرنا وفار التنور قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول ومن آمن وما آمن معه إلا قليل ) وقد جعل التنور آية فيما بينه وبينه ، فقال : (
إذا جاء أمرنا وفار التنور فاسلك فيها من كل زوجين اثنين ) ، واركب . فلما فار التنور ، حمل
نوح في الفلك من أمره الله ، وكانوا قليلا كما قال الله ، وحمل فيها من كل زوجين اثنين مما فيه الروح والشجر ، ذكر وأنثى ، فحمل فيه بنيه الثلاثة :
سام وحام ويافث ونساءهم ، وستة أناس ممن كان آمن به ، فكانوا عشرة نفر :
نوح وبنوه وأزواجهم ، ثم أدخل ما أمره به من الدواب ، وتخلف عنه ابنه
يام ، وكان كافرا .
18138 - حدثنا
ابن حميد قال ، حدثنا
سلمة ، عن
ابن إسحاق ، عن
الحسن بن دينار ، عن
علي بن زيد ، عن
يوسف بن مهران ، عن
ابن عباس ، قال : سمعته يقول : كان
أول ما حمل نوح في الفلك من الدواب الذرة ، وآخر ما حمل الحمار ، فلما أدخل الحمار وأدخل صدره ، تعلق إبليس بذنبه ، فلم تستقل رجلاه ، فجعل
نوح يقول : ويحك ادخل ! فينهض فلا يستطيع . حتى قال
نوح : ويحك ادخل وإن كان الشيطان معك ! قال : كلمة زلت عن لسانه ، فلما قالها
نوح خلى الشيطان سبيله ، فدخل ودخل الشيطان معه ، فقال
[ ص: 315 ] له
نوح : ما أدخلك علي يا عدو الله؟ فقال : ألم تقل : "ادخل وإن كان الشيطان معك"؟ قال : اخرج عني يا عدو الله ! فقال : ما لك بد من أن تحملني ! فكان ، فيما يزعمون ، في ظهر الفلك ، فلما اطمأن
نوح في الفلك ، وأدخل فيه من آمن به ، وكان ذلك في الشهر . . . . من السنة التي دخل فيها
نوح بعد ستمائة سنة من عمره ، لسبع عشرة ليلة مضت من الشهر ، فلما دخل وحمل معه من حمل ، تحرك ينابيع الغوط الأكبر ، وفتح أبواب السماء ، كما قال الله لنبيه
محمد صلى الله عليه وسلم : (
ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر وفجرنا الأرض عيونا فالتقى الماء على أمر قد قدر ) ، [ سورة القمر : 11 - 12 ] . فدخل
نوح ومن معه الفلك ، وغطاه عليه وعلى من معه بطبقه ، فكان بين أن أرسل الله الماء وبين أن احتمل الماء الفلك أربعون يوما وأربعون ليلة ، ثم احتمل الماء ، كما يزعم أهل التوراة ، وكثر الماء واشتد وارتفع ، يقول الله
لمحمد : (
وحملناه على ذات ألواح ودسر ) ، [ سورة القمر : 13 ] ، و"الدسر" ، المسامير ، مسامير الحديد فجعلت الفلك تجري به ، وبمن معه في موج كالجبال ، ونادى
نوح ابنه الذي هلك فيمن هلك ، وكان في معزل حين رأى
نوح من صدق موعد ربه ما رأى ، فقال : (
يا بني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين ) ، وكان شقيا قد أضمر كفرا . (
قال سآوي إلى جبل يعصمني من الماء ) ، وكان عهد الجبال وهي حرز من الأمطار إذا كانت ، فظن أن ذلك كما كان يعهد . قال
[ ص: 316 ] نوح : (
لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم وحال بينهما الموج فكان من المغرقين ) ، وكثر الماء حتى طغى ، وارتفع فوق الجبال ، كما يزعم أهل التوراة ، بخمسة عشر ذراعا ، فباد ما على وجه الأرض من الخلق ، من كل شيء فيه الروح أو شجر ، فلم يبق شيء من الخلائق إلا
نوح ومن معه في الفلك ، وإلا
عوج بن عنق فيما يزعم أهل الكتاب ، فكان بين أن أرسل الله الطوفان وبين أن غاض الماء ستة أشهر وعشر ليال .
18139 - حدثنا
ابن حميد قال ، حدثنا
سلمة ، عن
ابن إسحاق ، عن
الحسن بن دينار ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16621علي بن زيد بن جدعان قال
ابن حميد ، قال
سلمة ، وحدثني
علي بن زيد عن
يوسف بن مهران ، قال : سمعته يقول : لما آذى
نوحا في الفلك عذرة الناس ، أمر أن يمسح ذنب الفيل ، فمسحه ، فخرج منه خنزيران ، وكفي ذلك عنه . وإن الفأر توالدت في الفلك ، فلما آذته ، أمر أن يأمر الأسد يعطس ، فعطس ، فخرج من منخريه هران يأكلان عنه الفأر .
18140 - حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15573محمد بن بشار قال ، حدثنا
أبو أحمد قال ، حدثنا
سفيان ، عن
علي بن زيد ، عن
يوسف بن مهران ، عن
ابن عباس ، قال : لما كان
نوح في السفينة ، قرض الفأر حبال السفينة ، فشكا
نوح ، فأوحى الله إليه ، فمسح ذنب الأسد ، فخرج سنوران . وكان في السفينة عذرة ، فشكا ذلك إلى ربه ، فأوحى الله إليه ، فمسح ذنب الفيل ، فخرج خنزيران
18141 - حدثنا
إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني قال ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16081الأسود بن عامر قال ، أخبرنا
nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان بن سعيد ، عن
علي بن زيد ، عن
يوسف بن مهران ، عن
ابن عباس ، بنحوه .
[ ص: 317 ]
18142 - حدثت عن
المسيب بن أبي روق ، عن
الضحاك ، قال : قال
سليمان القراسي : عمل نوح السفينة في أربعمائة سنة ، وأنبت الساج أربعين سنة ، حتى كان طوله أربعمائة ذراع ، والذراع إلى المنكب .