[ ص: 387 ] القول في تأويل
قوله تعالى : ( فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم وأوجس منهم خيفة قالوا لا تخف إنا أرسلنا إلى قوم لوط ( 70 ) )
قال
أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : فلما رأى
إبراهيم أيديهم لا تصل إلى العجل الذي أتاهم به ، والطعام الذي قدم إليهم ، نكرهم ، وذلك أنه لما قدم طعامه صلى الله عليه وسلم إليهم ، فيما ذكر ، كفوا عن أكله ، لأنهم لم يكونوا ممن يأكله . وكان إمساكهم عن أكله ، عند
إبراهيم ، وهم ضيفانه مستنكرا . ولم تكن بينهم معرفة ، وراعه أمرهم ، وأوجس في نفسه منهم خيفة .
وكان
قتادة يقول : كان إنكاره ذلك من أمرهم ، كما : -
18311 - حدثنا
بشر قال ، حدثنا
يزيد قال ، حدثنا
سعيد ، عن
قتادة : (
فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم وأوجس منهم خيفة ) ، وكانت العرب إذا نزل بهم ضيف فلم يطعم من طعامهم ، ظنوا أنه لم يجئ بخير ، وأنه يحدث نفسه بشر .
18312 - حدثنا
الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا
عبد الرزاق قال ، أخبرنا
معمر ، عن
قتادة في قوله : (
فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم ) ، قال : كانوا إذا نزل بهم ضيف فلم يأكل من طعامهم ، ظنوا أنه لم يأت بخير ، وأنه يحدث نفسه بشر ، ثم حدثوه عند ذلك بما جاؤوا .
وقال غيره في ذلك ما : -
18313 - حدثني
الحارث قال ، حدثنا
عبد العزيز قال ، حدثنا
إسرائيل ، عن
الأسود بن قيس ، عن
جندب بن سفيان قال : لما دخل ضيف إبراهيم عليه
[ ص: 388 ] السلام ، قرب إليهم العجل ، فجعلوا ينكتون بقداح في أيديهم من نبل ، ولا تصل أيديهم إليه ، نكرهم عند ذلك .
يقال منه : "نكرت الشيء أنكره" ، و"أنكرته أنكره " ، بمعنى واحد ، ومن "نكرت" و"أنكرت" ، قول
الأعشى :
وأنكرتني وما كان الذي نكرت من الحوادث ، إلا الشيب والصلعا
فجمع اللغتين جميعا في البيت . وقال
أبو ذؤيب :
فنكرنه ، فنفرن ، وامترست به هوجاء هادية وهاد جرشع
[ ص: 389 ]
وقوله : (
وأوجس منهم خيفة ) ، يقول : أحس في نفسه منهم خيفة وأضمرها . (
قالوا لا تخف ) ، يقول : قالت الملائكة ، لما رأت ما
بإبراهيم من الخوف منهم : لا تخف منا وكن آمنا ، فإنا ملائكة ربك (
أرسلنا إلى قوم لوط ) .