القول في تأويل
قوله تعالى : ( فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب ( 71 ) )
قال
أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : فبشرنا
سارة امرأة إبراهيم ثوابا منا لها على نكيرها وعجبها من فعل
قوم لوط (
بإسحاق ) ، ولدا لها (
ومن وراء إسحاق يعقوب ) ، يقول : ومن خلف
إسحاق يعقوب ، من ابنها
إسحاق .
و"الوراء" في كلام العرب ، ولد الولد ، وكذلك تأوله أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
18321 - حدثنا
حميد بن مسعدة قال ، حدثنا
بشر بن المفضل قال ، حدثنا
داود ، عن
عامر قال : (
ومن وراء إسحاق يعقوب ) ، قال : الوراء : ولد الولد .
18322 - حدثنا
عمرو بن علي nindex.php?page=showalam&ids=12166ومحمد بن المثنى ، قال كل واحد منهما ، حدثني
أبو اليسع إسماعيل بن حماد بن أبي المغيرة مولى الأشعري ، قال : كنت إلى جنب جدي
أبي المغيرة بن مهران ، في
مسجد علي بن زيد ، فمر بنا
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن بن أبي الحسن فقال : يا
أبا المغيرة من هذا الفتى؟ قال : ابني من ورائي ،
[ ص: 395 ] فقال
الحسن : (
فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب ) .
18323 - حدثنا
عمرو بن علي nindex.php?page=showalam&ids=12166ومحمد بن المثنى قالا حدثنا
محمد بن أبي عدي قال ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15854داود بن أبي هند ، عن
الشعبي في قوله : (
فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب ) ، قال : ولد الولد هو "الوراء" .
18324 - حدثني
إسحاق بن شاهين قال ، حدثنا
خالد ، عن
داود ، عن
عامر في قوله : (
ومن وراء إسحاق يعقوب ) ، قال : "الوراء" ، ولد الولد .
18325 - حدثني
يعقوب بن إبراهيم قال ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=13382ابن علية ، عن
داود ، عن
الشعبي ، مثله .
18326 - حدثني
الحارث قال ، حدثنا
عبد العزيز قال ، حدثنا
أبو عمرو الأزدي قال : سمعت
الشعبي يقول : ولد الولد : هم الولد من الوراء .
18327 - حدثني
الحارث قال ، حدثنا
عبد العزيز قال ، حدثنا
سفيان ، عن
حبيب بن أبي ثابت قال : جاء رجل إلى
ابن عباس ومعه ابن ابنه فقال : من هذا معك؟ قال : هذا ابن ابني . قال : هذا ولدك من الوراء! قال : فكأنه شق على ذلك الرجل ، فقال
ابن عباس : إن الله يقول : (
فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب ) ، فولد الولد هم الوراء .
18328 - حدثني
موسى بن هارون قال ، حدثنا
عمرو بن حماد قال ، حدثنا
أسباط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي قال : لما ضحكت
سارة . وقالت : "عجبا لأضيافنا هؤلاء ، إنا نخدمهم بأنفسنا تكرمة لهم وهم لا يأكلون طعامنا " ! قال لها جبريل : أبشري بولد اسمه
إسحاق ، ومن وراء
إسحاق يعقوب . فضربت وجهها عجبا ، فذلك قوله : (
فصكت وجهها ) ، [ سورة الذاريات : 29 ] . وقالت : (
أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخا إن هذا لشيء عجيب )
[ ص: 396 ] قالوا (
أتعجبين من أمر الله رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد ) ، قالت
سارة : ما آية ذلك؟ قال : فأخذ بيده عودا يابسا فلواه بين أصابعه ، فاهتز أخضر ، فقال
إبراهيم : هو لله إذا ذبيحا .
18329 - حدثنا
ابن حميد قال ، حدثنا
سلمة ، عن
ابن إسحاق ، قال : ( فضحكت ) يعني
سارة لما عرفت من أمر الله جل ثناؤه ولما تعلم من
قوم لوط فبشروها
بإسحاق ومن وراء
إسحاق يعقوب _ بابن وبابن ابن _ . فقالت وصكت وجهها يقال : ضربت على جبينها : (
يا ويلتا أألد وأنا عجوز ) ، إلى قوله : (
إنه حميد مجيد ) .
واختلفت القرأة في قراءة ذلك ، فقرأته عامة
قرأة العراق والحجاز : ( ومن وراء إسحاق يعقوب ) ، برفع "يعقوب " ، ويعيد ابتداء الكلام بقوله . (
ومن وراء إسحاق يعقوب ) ، وذلك وإن كان خبرا مبتدأ ، ففيه دلالة على معنى التبشير .
وقرأه بعض قراء
أهل الكوفة والشام ، (
ومن وراء إسحاق يعقوب ) نصبا .
فأما الشامي منهما ، فذكر أنه كان ينحو ب"
يعقوب " نحو النصب بإضمار فعل آخر مشاكل للبشارة ، كأنه قال : ووهبنا له من وراء إسحاق يعقوب . فلما لم يظهر "وهبنا" عمل فيه "التبشير" وعطف به على موضع "إسحاق " ، إذ كان "إسحاق" وإن كان مخفوضا ، فإنه بمعنى المنصوب بعمل "بشرنا" ، فيه ، كما قال الشاعر :
جئني بمثل بني بدر لقومهم أو مثل أسرة منظور بن سيار
[ ص: 397 ] أو عامر بن طفيل في مركبه أو حارثا ، يوم نادى القوم : يا حار
وأما الكوفي منهما فإنه قرأه بتأويل الخفض فيما ذكر عنه ، غير أنه نصبه لأنه لا يجرى . وقد أنكر ذلك أهل العلم بالعربية من أجل دخول الصفة بين حرف العطف والاسم . وقالوا : خطأ أن يقال : "مررت بعمرو في الدار وفي الدار زيد " وأنت عاطف ب "زيد" على "عمرو" ، إلا بتكرير الباء وإعادتها ، فإن لم تعد كان وجه الكلام عندهم الرفع ، وجاز النصب ، فإن قدم الاسم على الصفة جاز حينئذ الخفض ، وذلك إذا قلت : "مررت بعمرو في الدار وزيد في البيت" . وقد أجاز الخفض ، والصفة معترضة بين حرف العطف والاسم ، بعض نحويي البصرة .
قال
أبو جعفر : وأولى القراءتين في ذلك بالصواب عندي قراءة من قرأه رفعا ، لأن ذلك هو الكلام المعروف من كلام العرب ، والذي لا يتناكره أهل العلم بالعربية ، وما عليه قرأة الأمصار . فأما النصب فيه فإن له وجها ، غير أني لا أحب القراءة به ، لأن كتاب الله نزل بأفصح ألسن العرب ، والذي هو أولى بالعلم بالذي نزل به من الفصاحة .