[ ص: 398 ] القول في تأويل
قوله تعالى : ( قالت يا ويلتا أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخا إن هذا لشيء عجيب ( 72 )
قالوا أتعجبين من أمر الله رحمت الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد ( 73 ) )
قال
أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : قالت
سارة لما بشرت
بإسحاق أنها تلد ، تعجبا مما قيل لها من ذلك ، إذ كانت قد بلغت السن التي لا يلد من كان قد بلغها من الرجال والنساء
وقيل : إنها كانت يومئذ ابنة تسع وتسعين سنة ،
وإبراهيم ابن مائة سنة . وقد ذكرت الرواية فيما روي في ذلك عن
مجاهد قبل .
وأما
ابن إسحاق ، فإنه قال في ذلك ما : -
18330 - حدثنا
ابن حميد قال ، حدثنا
سلمة ، عن
ابن إسحاق قال : كانت
سارة يوم بشرت
بإسحاق ، فيما ذكر لي بعض أهل العلم ، ابنة تسعين سنة ،
وإبراهيم ابن عشرين ومائة سنة .
( يا ويلتا ) وهي كلمة تقولها العرب عند التعجب من الشيء والاستنكار للشيء ، فيقولون عند التعجب : "ويل أمه رجلا ما أرجله" !
وقد اختلف أهل العربية في هذه الألف التي في : (
يا ويلتا ) .
فقال بعض
نحويي البصرة : هذه ألف حقيقة ، إذا وقفت قلت : "يا ويلتاه" ،
[ ص: 399 ] وهي مثل ألف الندبة ، فلطفت من أن تكون في السكت ، وجعلت بعدها الهاء لتكون أبين لها ، وأبعد في الصوت . ذلك لأن الألف إذا كانت بين حرفين كان لها صدى كنحو الصوت يكون في جوف الشيء فيتردد فيه ، فتكون أكثر وأبين .
وقال غيره : هذه ألف الندبة ، فإذا وقفت عليها فجائز ، وإن وقفت على الهاء فجائز ، وقال : ألا ترى أنهم قد وقفوا على قوله : (
ويدعو الإنسان ) ، [ سورة الإسراء : 11 ] ، فحذفوا الواو وأثبتوها ، وكذلك : (
ما كنا نبغي ) ، [ سورة الكهف : 64 ] ، بالياء ، وغير الياء؟ قال : وهذا أقوى من ألف الندبة وهائها .
قال
أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك عندي أن هذه الألف ألف الندبة ، والوقف عليها بالهاء وغير الهاء جائز في الكلام لاستعمال العرب ذلك في كلامهم .
وقوله : (
أألد وأنا عجوز ) ، تقول : أنى يكون لي ولد (
وأنا عجوز وهذا بعلي شيخا ) ، والبعل في هذا الموضع : الزوج ، وسمي بذلك لأنه قيم أمرها ، كما سموا مالك الشيء "بعله" ، وكما قالوا للنخل التي تستغني بماء السماء عن سقي ماء الأنهار والعيون "البعل" ، لأن مالك الشيء القيم به ، والنخل البعل ، بماء السماء حياته .
وقوله (
إن هذا لشيء عجيب ) ، يقول : إن كون الولد من مثلي ومثل بعلي على السن التي بها نحن لشيء عجيب (
قالوا أتعجبين من أمر الله ) ،
[ ص: 400 ] يقول الله تعالى ذكره : قالت الرسل لها : أتعجبين من أمر أمر الله به أن يكون ، وقضاء قضاه الله فيك وفي بعلك .
وقوله : (
رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت ) ، يقول : رحمة الله وسعادته لكم أهل بيت إبراهيم وجعلت الألف واللام خلفا من الإضافة وقوله : (
إنه حميد مجيد ) ، يقول : إن الله محمود في تفضله عليكم بما تفضل به من النعم عليكم وعلى سائر خلقه ( مجيد ) ، يقول : ذو مجد ومدح وثناء كريم .
يقال في "فعل" منه : "مجد الرجل يمجد مجادة " إذا صار كذلك ، وإذا أردت أنك مدحته قلت : "مجدته تمجيدا" .