القول في تأويل قوله تعالى : ( وجاءه قومه يهرعون إليه ومن قبل كانوا يعملون السيئات قال يا قوم هؤلاء بناتي هن أطهر لكم فاتقوا الله ولا تخزوني في ضيفي أليس منكم رجل رشيد ( 78 ) )
قال
أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : وجاء
لوطا قومه يستحثون إليه ، يرعدون مع سرعة المشي ، مما بهم من طلب الفاحشة .
يقال : "أهرع الرجل " ، من برد أو غضب أو حمى ، إذا أرعد ، "وهو مهرع" ، إذا كان معجلا حريصا ، كما قال الراجز :
[ ص: 412 ] بمعجلات نحوه مهارع
ومنه قول
مهلهل :
فجاءوا يهرعون وهم أسارى نقودهم على رغم الأنوف
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
18361 - حدثني
محمد بن عمرو قال ، حدثنا
أبو عاصم قال ، حدثنا
عيسى ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد ، في قول الله : (
يهرعون إليه ) ، قال : يهرولون ، وهو الإسراع في المشي .
18362 - حدثني
المثنى قال ، حدثنا
أبو حذيفة قال ، حدثنا
شبل ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد ، مثله .
18363 - حدثنا
القاسم قال ، حدثنا
الحسين قال ، حدثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
مجاهد ، نحوه .
18364 - حدثنا
ابن وكيع قال ، حدثنا
أبو خالد والمحاربي ، عن
جويبر ، عن
الضحاك : (
وجاءه قومه يهرعون إليه ) ، قال : يسعون إليه .
18365 - حدثنا
بشر قال ، حدثنا
يزيد قال ، حدثنا
سعيد ، عن
قتادة : قال : فأتوه يهرعون إليه ، يقول : سراعا إليه .
18366 - حدثنا
ابن عبد الأعلى قال ، حدثنا
محمد بن ثور ، عن
معمر ، عن
قتادة : (
يهرعون إليه ) ، قال : يسرعون إليه .
18367 - حدثنا
موسى قال ، حدثنا
عمرو قال ، حدثنا
أسباط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : (
وجاءه قومه يهرعون إليه ) ، يقول : يسرعون المشي إليه .
18368 - حدثني
الحارث قال ، حدثنا
عبد العزيز قال ، حدثنا
يحيى بن [ ص: 413 ] زكريا ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
مجاهد : (
وجاءه قومه يهرعون إليه ) ، قال : يهرولون في المشي قال
سفيان : (
يهرعون إليه ) ، يسرعون إليه .
18369 - حدثنا
سوار بن عبد الله قال ، قال
سفيان بن عيينة في قوله : (
يهرعون إليه ) ، قال : كأنهم يدفعون .
18370 - حدثنا
ابن حميد قال ، حدثنا
يعقوب قال ، حدثنا
حفص بن حميد ، عن
شمر بن عطية قال ، أقبلوا يسرعون مشيا بين الهرولة والجمز .
18371 - حدثني
علي بن داود قال ، حدثنا
عبد الله بن صالح قال ، حدثني
معاوية ، عن
علي عن
ابن عباس ، قوله : (
وجاءه قومه يهرعون إليه ) ، يقول : مسرعين .
وقوله : (
ومن قبل كانوا يعملون السيئات ) ، يقول : من قبل مجيئهم إلى
لوط ، كانوا يأتون الرجال في أدبارهم ، كما : -
18372 - حدثنا
القاسم قال ، حدثنا
الحسين قال ، حدثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج قوله : (
ومن قبل كانوا يعملون السيئات ) ، قال : يأتون الرجال .
وقوله : (
قال يا قوم هؤلاء بناتي ) ، يقول تعالى ذكره : قال
لوط لقومه لما جاؤوه يراودونه عن ضيفه : هؤلاء يا قوم بناتي يعني نساء أمته فانكحوهن فهن أطهر لكم ، كما : -
18373 - حدثنا
محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا
محمد بن ثور ، عن
معمر ، عن
قتادة : (
هؤلاء بناتي هن أطهر لكم ) ، قال : أمرهم
لوط بتزويج النساء وقال : (
هن أطهر لكم ) .
18374 - حدثنا
محمد قال : حدثنا
محمد بن ثور ، عن
معمر ، قال : وبلغني هذا أيضا عن
مجاهد .
18375 - حدثنا
ابن وكيع ، عن
سفيان ، عن
ليث ، عن
مجاهد : (
قال ياقوم هؤلاء بناتي هن أطهر لكم ) ، قال : لم تكن بناته ، ولكن كن من أمته ، وكل نبي أبو أمته .
18376 - حدثنا
ابن وكيع قال ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=13382ابن علية ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد ، في قوله : (
هؤلاء بناتي هن أطهر لكم ) ، قال : أمرهم أن يتزوجوا النساء ، لم يعرض عليهم سفاحا .
18377 - حدثني
يعقوب قال ، حدثنا
أبو بشر ، سمعت
ابن أبي نجيح يقول في قوله : (
هن أطهر لكم ) ، قال : ما عرض عليهم نكاحا ولا سفاحا .
18378 - حدثنا
بشر قال ، حدثنا
يزيد قال ، حدثنا
سعيد ، عن
قتادة في قوله : (
هؤلاء بناتي هن أطهر لكم ) قال : أمرهم أن يتزوجوا النساء ، وأراد نبي الله صلى الله عليه وسلم أن يقي أضيافه ببناته .
18379 - حدثني
المثنى قال ، حدثنا
إسحاق قال ، حدثنا
عبد الرحمن بن سعد قال ، أخبرنا
أبو جعفر عن
الربيع ، في قوله : (
هؤلاء بناتي هن أطهر لكم ) ، يعني التزويج حدثني
أبو جعفر ، عن
الربيع في قوله : (
هؤلاء بناتي هن أطهر لكم ) ، يعني التزويج .
18380 - حدثني
المثنى قال ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16272أبو النعمان عارم قال ، حدثنا
حماد بن زيد قال ، حدثنا
محمد بن شبيب الزهراني ، عن
أبي بشر ، عن
سعيد بن جبير ، في قول
لوط : (
هؤلاء بناتي هن أطهر لكم ) ، يعني : نساءهم ، هن بناته ، هو نبيهم وقال في بعض القراءة : ( النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وهو أب لهم ) ، [ سورة الأحزاب : 6 ] .
[ ص: 415 ]
18381 - حدثني
موسى بن هارون قال ، حدثنا
عمرو قال ، حدثنا
أسباط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : (
وجاءه قومه يهرعون ) ، قالوا : أو لم ننهك أن تضيف العالمين؟ قال : (
هؤلاء بناتي هن أطهر لكم ) ، إن كنتم فاعلين ، أليس منكم رجل رشيد؟
18382 - حدثنا
ابن حميد قال ، حدثنا
سلمة ، عن
ابن إسحاق ، قال : لما جاءت الرسل
لوطا أقبل قومه إليهم حين أخبروا بهم يهرعون إليه . فيزعمون ، والله أعلم ، أن امرأة
لوط هي التي أخبرتهم بمكانهم ، وقالت : إن عند
لوط لضيفانا ما رأيت أحسن ولا أجمل قط منهم ! وكانوا يأتون الرجال شهوة من دون النساء ، فاحشة لم يسبقهم بها أحد من العالمين . فلما جاؤوه قالوا : أو لم ننهك عن العالمين؟ أي : ألم نقل لك : لا يقربنك أحد ، فإنا لن نجد عندك أحدا إلا فعلنا به الفاحشة؟ قال : "يا قوم هؤلاء بناتي هن أطهر لكم" ، فأنا أفدي ضيفي منكم بهن ، ولم يدعهم إلا إلى الحلال من النكاح .
18383 - حدثنا
القاسم قال ، حدثنا
الحسين قال ، حدثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
مجاهد قوله : (
هؤلاء بناتي ) ، قال : النساء .
واختلفت القراة في قراءة قوله : (
هن أطهر لكم ) .
فقرأته عامة القرأة برفع : ( أطهر ) ، على أن جعلوا "هن" اسما ، "وأطهر" خبره ، كأنه قيل : بناتي أطهر لكم مما تريدون من الفاحشة من الرجال .
وذكر عن
عيسى بن عمر البصري أنه كان يقرأ ذلك : ( هن أطهر لكم ) ، بنصب "أطهر" .
وكان بعض
نحويي البصرة يقول : هذا لا يكون ، إنما ينصب خبر الفعل الذي لا يستغني عن الخبر إذا كان بين الاسم والخبر هذه الأسماء المضمرة .
[ ص: 416 ]
وكان بعض
نحويي الكوفة يقول : من نصبه جعله نكرة خارجة من المعرفة ، ويكون قوله : "هن" عمادا للفعل فلا يعمله .
وقال آخر منهم : مسموع من العرب : "هذا زيد إياه بعينه" ، قال : فقد جعله خبرا ل "هذا" مثل قولك : "كان عبد الله إياه بعينه" . قال : وإنما لم يجز أن يقع الفعل ههنا ، لأن التقريب رد كلام ، فلم يجتمعا ، لأنه يتناقض ، لأن ذلك إخبار عن معهود ، وهذا إخبار عن ابتداء ما هو فيه : "ها أنا ذا حاضر" ، أو : "زيد هو العالم" ، فتناقض أن يدخل المعهود على الحاضر ، فلذلك لم يجز .
قال
أبو جعفر : والقراءة التي لا أستجيز خلافها في ذلك ، الرفع : (
هن أطهر لكم ) ، لإجماع الحجة من قرأة الأمصار عليه ، مع صحته في العربية ، وبعد النصب فيه من الصحة .
وقوله : (
فاتقوا الله ولا تخزون في ضيفي ) ، يقول : فاخشوا الله ، أيها الناس ، واحذروا عقابه ، في إتيانكم الفاحشة التي تأتونها وتطلبونها (
ولا تخزون في ضيفي ) ، يقول : ولا تذلوني بأن تركبوا مني في ضيفي ما يكرهون أن تركبوه منهم .
و"الضيف " ، في لفظ واحد في هذا الموضع بمعنى جمع . والعرب تسمي الواحد والجمع "ضيفا" بلفظ واحد . كما قالوا : "رجل عدل ، وقوم عدل" .
[ ص: 417 ]
وقوله : (
أليس منكم رجل رشيد ) ، يقول : أليس منكم رجل ذو رشد ، ينهى من أراد ركوب الفاحشة من ضيفي ، فيحول بينهم وبين ذلك؟ كما : -
18384 - حدثنا
ابن حميد قال ، حدثنا
سلمة ، عن
ابن إسحاق : (
فاتقوا الله ولا تخزون في ضيفي أليس منكم رجل رشيد ) ، أي رجل يعرف الحق وينهى عن المنكر؟