القول في تأويل قوله تعالى : (
قال ياقوم أرهطي أعز عليكم من الله واتخذتموه وراءكم ظهريا إن ربي بما تعملون محيط ( 92 ) )
قال
أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : قال
شعيب لقومه : يا قوم ، أعززتم قومكم ، فكانوا أعز عليكم من الله ، واستخففتم بربكم ، فجعلتموه خلف ظهوركم ، لا تأتمرون لأمره ولا تخافون عقابه ، ولا تعظمونه حق عظمته؟
يقال للرجل إذا لم يقض حاجة الرجل : "نبذ حاجته وراء ظهره" ، أي : تركها لا يلتفت إليها . و إذا قضاها قيل : "جعلها أمامه ، ونصب عينيه " ، ويقال : "ظهرت بحاجتي " و"جعلتها ظهرية" ، أي : خلف ظهرك ، كما قال الشاعر :
وجدنا بني البرصاء من ولد الظهر
بمعنى : أنهم يظهرون بحوائج الناس فلا يلتفتون إليها .
[ ص: 460 ]
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
18515 - حدثني
محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس : (
قال يا قوم أرهطي أعز عليكم من الله واتخذتموه وراءكم ظهريا ) ، وذلك أن قوم
شعيب ورهطه كانوا أعز عليهم من الله ، وصغر شأن الله عندهم ، عز ربنا وجل .
18516 - حدثني
المثنى قال ، حدثنا
عبد الله بن صالح قال ، حدثني
معاوية ، عن
علي ، عن
ابن عباس : (
واتخذتموه وراءكم ظهريا ) ، قال : قفا .
18517 - حدثنا
بشر قال ، حدثنا
يزيد قال ، حدثنا
سعيد ، عن
قتادة : (
يا قوم أرهطي أعز عليكم من الله واتخذتموه وراءكم ظهريا ) ، يقول : عززتم قومكم ، وأظهرتم بربكم .
18518 - حدثنا
محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا
محمد بن ثور ، عن
معمر ، عن
قتادة : (
واتخذتموه وراءكم ظهريا ) ، قال : لم تراقبوه في شيء إنما تراقبون قومي (
واتخذتموه وراءكم ظهريا ) ، يقول : عززتم قومكم وأظهرتم بربكم .
18519 - حدثنا
محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا
محمد بن ثور ، عن
معمر ، عن
قتادة : (
واتخذتموه وراءكم ظهريا ) ، قال : لم تراقبوه في شيء ، إنما تراقبون قومي (
واتخذتموه وراءكم ظهريا ) ، لا تخافونه
18520 - حدثنا
الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا
عبد الرزاق قال ، أخبرنا
معمر ، عن
قتادة في قوله : (
أرهطي أعز عليكم من الله ) ، قال : أعززتم قومكم ، واغتررتم بربكم ، سمعت
إسحاق بن أبي إسرائيل قال : قال
سفيان : [ ص: 461 ] (
واتخذتموه وراءكم ظهريا ) ، كما يقول الرجل للرجل : "خلفت حاجتي خلف ظهرك" ، (
واتخذتموه وراءكم ظهريا ) ، استخففتم بأمره . فإذا أراد الرجل قضاء حاجة صاحبه جعلها أمامه بين يديه ، ولم يستخف بها .
18521 - حدثني
يونس قال ، أخبرنا
ابن وهب قال ، قال
ابن زيد في قوله : (
واتخذتموه وراءكم ظهريا ) ، قال : "الظهري" ، الفضل ، مثل الجمال يخرج معه بإبل ظهارية ، فضل ، لا يحمل عليها شيئا ، إلا أن يحتاج إليها . قال : فيقول : إنما ربكم عندكم مثل هذا ، إن احتجتم إليه . وإن لم تحتاجوا إليه فليس بشيء .
وقال آخرون : معنى ذلك : واتخذتم ما جاء به
شعيب وراءكم ظهريا فالهاء في قوله : ( واتخذتموه ) ، على هذا من ذكر ما جاء به
شعيب .
ذكر من قال ذلك :
18522 - حدثنا
ابن وكيع قال ، حدثنا
ابن نمير ، عن
ورقاء ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد : (
واتخذتموه وراءكم ظهريا ) ، قال : تركتم ما جاء به
شعيب
18523 - . . . . قال ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15637جعفر بن عون ، عن
سفيان ، عن
جابر ، عن
مجاهد قال : نبذوا أمره .
18524 - حدثني
الحارث قال ، حدثنا
عبد العزيز ، عن
سفيان ، عن
جابر ، عن
مجاهد : (
واتخذتموه وراءكم ظهريا ) ، قال : نبذتم أمره .
18525 - حدثنا
محمد بن عمرو قال ، حدثنا
أبو عاصم قال ، حدثنا
عيسى ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد : (
واتخذتموه وراءكم ظهريا ) ،
[ ص: 462 ] قال : هم رهط
شعيب بتركهم ما جاء به وراء ظهورهم ظهريا .
18526 - حدثني
المثنى قال ، حدثنا
أبو حذيفة قال ، حدثنا
شبل ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد قال
18527 - . . . . وحدثنا
إسحاق قال ، حدثنا
عبد الله ، عن
ورقاء ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد : (
واتخذتموه وراءكم ظهريا ) ، قال : استثناؤهم رهط
شعيب ، وتركهم ما جاء به
شعيب وراء ظهورهم ظهريا .
قال
أبو جعفر : وإنما اخترنا القول الذي اخترناه في تأويل ذلك ، لقرب قوله : (
واتخذتموه وراءكم ظهريا ) ، من قوله : (
أرهطي أعز عليكم من الله ) فكانت الهاء في قوله : ( واتخذتموه ) ، بأن تكون من ذكر الله ، لقرب جوارها منه ، أشبه وأولى .
وقوله : (
إن ربي بما تعملون محيط ) ، يقول : إن ربي محيط علمه بعملكم ، فلا يخفى عليه منه شيء ، وهو مجازيكم على جميعه عاجلا وآجلا .