القول في تأويل قوله تعالى : (
فلولا كان من القرون من قبلكم أولو بقية ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلا ممن أنجينا منهم واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه وكانوا مجرمين ( 116 ) )
قال
أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : فهلا كان من القرون الذين قصصت عليك نبأهم في هذه السورة ، الذين أهلكتهم بمعصيتهم إياي ، وكفرهم برسلي
[ ص: 527 ] من قبلكم . (
أولو بقية ) ، يقول : ذو بقية من الفهم والعقل ، يعتبرون مواعظ الله ويتدبرون حججه ، فيعرفون ما لهم في الإيمان بالله ، وعليهم في الكفر به (
ينهون عن الفساد في الأرض ) ، يقول : ينهون أهل المعاصي عن معاصيهم ، وأهل الكفر بالله عن كفرهم به ، في أرضه (
إلا قليلا ممن أنجينا منهم ) ، يقول : لم يكن من القرون من قبلكم أولو بقية ينهون عن الفساد في الأرض ، إلا يسيرا ، فإنهم كانوا ينهون عن الفساد في الأرض ، فنجاهم الله من عذابه ، حين أخذ من كان مقيما على الكفر بالله عذابه وهم أتباع الأنبياء والرسل .
ونصب "قليلا" لأن قوله : ( إلا قليلا ) استثناء منقطع مما قبله ، كما قال : (
إلا قوم يونس لما آمنوا ) ، [ سورة يونس : 98 ] . وقد بينا ذلك في غير موضع ، بما أغنى عن إعادته .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
18690 - حدثني
يونس قال ، أخبرنا
ابن وهب قال ، قال
ابن زيد : اعتذر فقال : (
فلولا كان من القرون من قبلكم ) ، حتى بلغ : (
إلا قليلا ممن أنجينا منهم ) ، فإذا هم الذين نجوا حين نزل عذاب الله . وقرأ : (
واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه ) .
18691 - حدثنا
القاسم قال ، حدثنا
الحسين قال ، حدثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج قوله : (
فلولا كان من القرون من قبلكم أولو بقية ) ، إلى قوله : (
إلا قليلا ممن أنجينا منهم ) ، قال : يستقلهم الله من كل قوم .
[ ص: 528 ]
18692 - حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12166محمد بن المثنى قال ، حدثنا
ابن أبي عدي ، عن
داود قال : سألني
بلال عن قول
الحسن في القدر ، قال : فقال : سمعت
الحسن يقول : (
قيل يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك وأمم سنمتعهم ثم يمسهم منا عذاب أليم ) ، قال : بعث الله
هودا إلى
عاد ، فنجى الله
هودا والذين آمنوا معه وهلك المتمتعون . وبعث الله
صالحا إلى
ثمود ، فنجى الله صالحا وهلك المتمتعون . فجعلت أستقريه الأمم ، فقال : ما أراه إلا كان حسن القول في القدر .
18693 - حدثنا
بشر قال ، حدثنا
يزيد قال ، حدثنا
سعيد ، عن
قتادة : (
فلولا كان من القرون من قبلكم أولوا بقية ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلا ممن أنجينا منهم ) ، أي : لم يكن من قبلكم من ينهى عن الفساد في الأرض (
إلا قليلا ممن أنجينا منهم ) .
وقوله : (
واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه ) ، يقول تعالى ذكره : واتبع الذين ظلموا أنفسهم فكفروا بالله ما أترفوا فيه .
ذكر من قال ذلك :
18694 - حدثنا
القاسم قال ، حدثنا
الحسين قال ، حدثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج قال : قال
ابن عباس : (
واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه ) ، قال : ما أنظروا فيه .
18695 - حدثنا
بشر قال ، حدثنا
يزيد قال ، حدثنا
سعيد ، عن
قتادة قوله : (
واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه ) ، من دنياهم .
[ ص: 529 ]
وكأن هؤلاء وجهوا تأويل الكلام : واتبع الذين ظلموا الشيء الذي أنظرهم فيه ربهم من نعيم الدنيا ولذاتها ، إيثارا له على عمل الآخرة وما ينجيهم من عذاب الله .
وقال آخرون : معنى ذلك : واتبع الذين ظلموا ما تجبروا فيه من الملك ، وعتوا عن أمر الله .
ذكر من قال ذلك :
18696 - حدثني
محمد بن عمرو قال ، حدثنا
أبو عاصم قال ، حدثنا
عيسى ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد ، في قول الله : (
واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه ) ، قال : في ملكهم وتجبرهم ، وتركوا الحق .
18697 - حدثني
المثنى قال ، حدثنا
أبو حذيفة قال ، حدثنا
شبل ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد ، نحوه ، إلا أنه قال : وتركهم الحق .
18698 - حدثني
القاسم قال ، حدثنا
الحسين قال ، حدثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
مجاهد ، مثل حديث
محمد بن عمرو سواء .
قال
أبو جعفر : وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال : إن الله أخبر تعالى ذكره : أن الذين ظلموا أنفسهم من كل أمة سلفت فكفروا بالله ، اتبعوا ما أنظروا فيه من لذات الدنيا ، فاستكبروا وكفروا بالله ، واتبعوا ما أنظروا فيه من لذات الدنيا ، فاستكبروا عن أمر الله وتجبروا وصدوا عن سبيله .
وذلك أن المترف في كلام العرب : هو المنعم الذي قد غذي باللذات ، ومنه قول الراجز :
[ ص: 530 ] نهدي رءوس المترفين الصداد إلى أمير المؤمنين الممتاد
وقوله : (
وكانوا مجرمين ) ، يقول : وكانوا مكتسبي الكفر بالله .