[ القول في تأويل قوله تعالى : (
وقال نسوة في المدينة امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه قد شغفها حبا إنا لنراها في ضلال مبين ( 30 ) )
قال
أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : وتحدث النساء بأمر
يوسف وأمر
امرأة العزيز في مدينة
مصر ، وشاع من أمرهما فيها ما كان ، فلم ينكتم ، وقلن : (
امرأة العزيز تراود فتاها ) ، عبدها (
عن نفسه ) ، كما : -
19137 - حدثنا
ابن حميد ، قال : حدثنا
سلمة ، عن
ابن إسحاق ، قال : وشاع الحديث في القرية ، وتحدث النساء بأمره وأمرها ، وقلن : (
امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه ) ، أي : عبدها .
وأما " العزيز " فإنه : " الملك " في كلام
العرب ، ومنه قول
أبي دؤاد :
درة غاص عليها تاجر جليت عند عزيز يوم طل
يعني بالعزيز ، الملك ، وهو من " العزة " .
[ ص: 63 ]
وقوله : (
قد شغفها حبا ) ، يقول قد وصل حب
يوسف إلى شغاف قلبها فدخل تحته ، حتى غلب على قلبها .
و " شغاف القلب : " حجابه وغلافه الذي هو فيه ، وإياه عنى
النابغة الذبياني بقوله :
وقد حال هم دون ذلك داخل دخول شغاف تبتغيه الأصابع
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
19138 - حدثنا
الحسن بن محمد ، قال : حدثنا
حجاج بن محمد ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، قال : أخبرني
nindex.php?page=showalam&ids=16666عمرو بن دينار ، أنه سمع
عكرمة يقول في قوله : (
شغفها حبا ) قال : دخل حبه تحت الشغاف .
19139 - حدثنا
الحسن بن محمد ، قال : حدثنا
شبابة ، قال : حدثنا
ورقاء ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد قوله : (
قد شغفها حبا ) ، قال : دخل حبه في شغافها .
19140 - حدثني
محمد بن عمرو ، قال : حدثنا
أبو عاصم ، قال : حدثنا
عيسى ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد : (
قد شغفها حبا ) ، قال : دخل حبه في شغافها .
[ ص: 64 ] 19141 - حدثني
المثنى ، قال : حدثنا
أبو حذيفة ، قال : حدثنا
شبل ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد : (
قد شغفها حبا ) ، قال : كان حبه في شغافها .
19142 - . . . . قال : حدثنا
إسحاق ، قال : حدثنا
عبد الله ، عن
ورقاء ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد ، مثل حديث
الحسن بن محمد ، عن
شبابة .
19143 - حدثني
محمد بن سعد ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثني عمي ، قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس ، قوله : (
قد شغفها حبا ) ، يقول : علقها حبا .
19144 - حدثني
المثنى ، قال : حدثنا
عبد الله بن صالح ، قال : حدثني
معاوية ، عن
علي ، عن
ابن عباس ، قوله : (
قد شغفها حبا ) ، قال : غلبها .
19145 - حدثنا
أبو كريب ، قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع وحدثنا
ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي عن أبيه عن
أيوب بن عائذ الطائي عن
الشعبي : (
قد شغفها حبا ) ، قال : " المشغوف : " المحب ، و " المشعوف " ، المجنون .
19146 - . . . . وبه قال ، حدثنا أبي ، عن
أبي الأشهب ، عن
أبي رجاء والحسن : (
قد شغفها حبا ) ، قال أحدهما : قد بطنها حبا . وقال الآخر : قد صدقها حبا .
19147 - حدثني
يعقوب ، قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=13382ابن علية ، عن
أبي رجاء ، عن
الحسن ، في قوله : (
قد شغفها حبا ) ، قال : قد بطنها حبا قال
يعقوب : قال
أبو بشر :
أهل المدينة يقولون : " قد بطنها حبا " .
19148 - حدثنا
ابن وكيع ، قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=13382ابن علية ، عن
أبي رجاء ، عن
[ ص: 65 ] الحسن ، قال : سمعته يقول في قوله : (
قد شغفها حبا ) ، قال : بطنها حبا .
وأهل المدينة يقولون ذلك .
19149 - حدثنا
الحسن بن محمد ، قال : حدثنا
عبد الوهاب ، عن
قرة ، عن
الحسن : (
قد شغفها حبا ) ، قال : قد بطن بها حبا .
19150 - حدثنا
الحسن ، قال : حدثنا
أبو قطن ، قال : حدثنا
أبو الأشهب ، عن
الحسن : (
قد شغفها حبا ) ، قال : بطنها حبه .
19151 - حدثنا
بشر ، قال : حدثنا
يزيد ، قال : حدثنا
سعيد ، عن
قتادة . عن
الحسن : (
قد شغفها حبا ) ، قال : بطن بها .
19152 - حدثنا
محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا
محمد بن ثور ، عن
معمر ، عن
قتادة : (
قد شغفها حبا ) ، قال : استبطنها حبها إياه .
19153 - حدثنا
بشر ، قال : حدثنا
يزيد ، قال : حدثنا
سعيد ، عن
قتادة ، قوله : (
قد شغفها حبا ) ، أي : قد علقها .
19154 - حدثني
الحارث ، قال : حدثنا
عبد العزيز ، قال : حدثنا
إسرائيل ، عن
أبي يحيى ، عن
مجاهد : (
قد شغفها حبا ) ، قال : قد علقها حبا .
19155 - حدثنا
ابن وكيع ، قال : حدثنا
المحاربي ، عن
جويبر ، عن
الضحاك ، قال : هو الحب اللازق بالقلب .
19156 - حدثت عن
الحسين ، قال : سمعت
أبا معاذ يقول : حدثنا
عبيد ، قال : سمعت
عبيد بن سليمان ، في قوله : (
قد شغفها حبا ) ، يقول : هلكت عليه حبا ، و " الشغاف : " شغاف القلب .
19157 - حدثنا
ابن وكيع ، قال : حدثنا
عمرو بن محمد ، قال : حدثنا
[ ص: 66 ] أسباط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : (
قد شغفها حبا ) ، قال : و " الشغاف : " جلدة على القلب يقال لها : " لسان القلب " ، يقول : دخل الحب الجلد حتى أصاب القلب .
وقد اختلفت القرأة في قراءة ذلك .
فقرأته عامة قرأة الأمصار بالغين : ( قد شغفها ) ، على معنى ما وصفت من التأويل .
وقرأ ذلك
أبو رجاء : " قد شعفها " بالعين .
19158 - حدثنا
الحسن بن محمد ، قال : حدثنا
أبو قطن ، قال : حدثنا
أبو الأشهب ، عن
أبي رجاء : " قد شعفها " .
19159 - . . . . قال : حدثنا
خلف ، قال : حدثنا
هشيم ، عن
أبي الأشهب ، أو
عوف عن
أبي رجاء : " قد شعفها حبا " ، بالعين .
19160 - . . . . قال : حدثنا
خلف ، قال : حدثنا
محبوب ، قال : قرأه
عوف : " قد شعفها " .
19161 - . . . . قال : حدثنا
عبد الوهاب ، عن
هارون ، عن
أسيد ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13724الأعرج : " قد شعفها حبا " ، وقال : شعفها إذا كان هو يحبها .
ووجه هؤلاء معنى الكلام إلى أن الحب قد عمها .
وكان بعض أهل العلم بكلام
العرب من
الكوفيين يقول : هو من قول القائل :
[ ص: 67 ] " قد شعف بها " ، كأنه ذهب بها كل مذهب ، من " شعف الجبال " ، وهي رءوسها .
وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=12354إبراهيم النخعي أنه قال : " الشغف " ، شغف الحب و " الشعف " ، شعف الدابة حين تذعر .
19162 - حدثني بذلك
الحارث ، عن
القاسم ، أنه قال : يروى ذلك عن
أبي عوانة ، عن
مغيرة عنه .
قال
الحارث : قال
القاسم ، يذهب
إبراهيم إلى أن أصل " الشعف " ، هو الذعر . قال : وكذلك هو كما قال
إبراهيم في الأصل ، إلا أن
العرب ربما استعارت الكلمة فوضعتها في غير موضعها ; قال
امرؤ القيس :
أتقتلني وقد شعفت فؤادها كما شعف المهنوءة الرجل الطالي
قال : و " شعف المرأة " من الحب ، و " شعف المهنوءة " من الذعر ، فشبه لوعة الحب وجواه بذلك .
وقال
ابن زيد في ذلك ما : -
19163 - حدثني
يونس ، قال : أخبرنا
ابن وهب ، قال : قال
ابن زيد ، في قوله : (
قد شغفها حبا ) قال : إن " الشغف " و " الشعف " ، مختلفان ،
[ ص: 68 ] و " الشعف " ، في البغض و " الشغف " في الحب .
وهذا الذي قاله
ابن زيد لا معنى له ، لأن " الشعف " في كلام
العرب بمعنى عموم الحب ، أشهر من أن يجهله ذو علم بكلامهم .
قال
أبو جعفر : والصواب في ذلك عندنا من القراءة : ( قد شغفها ) ، بالغين ، لإجماع الحجة من القرأة عليه .
وقوله : (
إنا لنراها في ضلال مبين ) ، قلن : إنا لنرى
امرأة العزيز في مراودتها فتاها عن نفسه ، وغلبة حبه عليها ، لفي خطأ من الفعل ، وجور عن قصد السبيل " مبين " ، لمن تأمله وعلمه أنه ضلال ، وخطأ غير صواب ولا سداد . وإنما كان قيلهن ما قلن من ذلك ، وتحدثهن بما تحدثن به من شأنها وشأن
يوسف ، مكرا منهن ، فيما ذكر ، لتريهن
يوسف .