[ القول في تأويل قوله تعالى : (
ودخل معه السجن فتيان قال أحدهما إني أراني أعصر خمرا وقال الآخر إني أراني أحمل فوق رأسي خبزا تأكل الطير منه نبئنا بتأويله إنا نراك من المحسنين ( 36 ) )
قال
أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : ودخل مع
يوسف السجن فتيان فدل بذلك على متروك قد ترك من الكلام ، وهو : (
ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه حتى حين ) ، فسجنوه وأدخلوه السجن ودخل معه فتيان ، فاستغني بدليل قوله : (
ودخل معه السجن فتيان ) ، على إدخالهم
يوسف السجن ، من ذكره .
وكان الفتيان ، فيما ذكر ، غلامين من غلمان ملك
مصر الأكبر ، أحدهما صاحب شرابه ، والآخر صاحب طعامه ، كما : -
[ ص: 95 ] 19266 - حدثنا
ابن حميد قال ، حدثنا
سلمة ، عن
ابن إسحاق ، قال : فطرح في السجن يعني
يوسف (
ودخل معه السجن فتيان ) ، غلامان كانا للملك الأكبر
الريان بن الوليد ، كان أحدهما على شرابه ، والآخر على بعض أمره ، في سخطة سخطها عليهما ، اسم أحدهما "
مجلث " والآخر "
نبو " ، و "
نبو " الذي كان على الشراب .
19267 - حدثنا
بشر ، قال : حدثنا
يزيد ، قال : حدثنا
سعيد ، عن
قتادة : (
ودخل معه السجن فتيان ) ، قال : كان أحدهما خبازا للملك على طعامه ، وكان الآخر ساقيه على شرابه .
وكان سبب حبس الملك الفتيين فيما ذكر ، ما : -
19268 - حدثنا
ابن وكيع ، قال : حدثنا
عمرو ، عن
أسباط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي ، قال : إن الملك غضب على خبازه ، بلغه أنه يريد أن يسمه ، فحبسه وحبس صاحب شرابه ، ظن أنه مالأه على ذلك . فحبسهما جميعا ; فذلك قول الله : (
ودخل معه السجن فتيان ) .
وقوله : (
قال أحدهما إني أراني أعصر خمرا ) ، ذكر أن
يوسف صلوات الله عليه لما أدخل السجن ، قال لمن فيه من المحبسين ، وسألوه عن عمله : إني أعبر الرؤيا . فقال أحد الفتيين اللذين أدخلا معه السجن لصاحبه : تعال فلنجربه ، كما : -
19269 - حدثنا
ابن وكيع ، قال : حدثنا
عمرو بن محمد ، عن
أسباط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي ، قال : لما دخل
يوسف السجن قال : أنا أعبر الأحلام . فقال أحد الفتيين لصاحبه : هلم نجرب هذا العبد العبراني فتراءيا له ! فسألاه ، من غير أن يكونا رأيا شيئا . فقال الخباز : إني أراني أحمل فوق رأسي خبزا تأكل الطير
[ ص: 96 ] منه؟ وقال الآخر : إني أراني أعصر خمرا؟
19270 - حدثنا
ابن وكيع وابن حميد ، قالا حدثنا
جرير ، عن
عمارة بن القعقاع ، عن
إبراهيم ، عن
عبد الله ، قال : ما رأى صاحبا
يوسف شيئا ، وإنما كانا تحالما ليجربا علمه .
وقال قوم : إنما سأله الفتيان عن رؤيا كانا رأياها على صحة وحقيقة ، وعلى تصديق منهما
ليوسف لعلمه بتعبيرها .
ذكر من قال ذلك :
19271 - حدثنا
ابن حميد ، قال : حدثنا
سلمة ، عن
ابن إسحاق ، قال : لما رأى الفتيان
يوسف ، قالا والله ، يا فتى لقد أحببناك حين رأيناك .
19272 - . . . . قال : حدثنا
سلمة ، عن
ابن إسحاق ، عن
عبد الله ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد أن
يوسف قال لهم حين قالا له ذلك : أنشدكما الله أن لا تحباني ، فوالله ما أحبني أحد قط إلا دخل علي من حبه بلاء ، لقد أحبتني عمتي فدخل علي من حبها بلاء ، ثم لقد أحبني أبي فدخل علي بحبه بلاء ، ثم لقد أحبتني زوجة صاحبي هذا فدخل علي بحبها إياي بلاء ، فلا تحباني بارك الله فيكما ! قال : فأبيا إلا حبه وإلفه حيث كان ، وجعلا يعجبهما ما يريان من فهمه وعقله . وقد كانا رأيا حين أدخلا السجن رؤيا ، فرأى "
مجلث " أنه يحمل فوق رأسه خبزا تأكل الطير منه ، ورأى "
نبو " أنه يعصر خمرا ، فاستفتياه فيها ، وقالا له : (
نبئنا بتأويله إنا نراك من المحسنين ) ، إن فعلت .
وعنى بقوله : (
أعصر خمرا ) ، أي : إني أرى في نومي أني أعصر عنبا . وكذلك ذلك في قراءة
ابن مسعود فيما ذكر عنه .
19273 - حدثنا
ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن
أبي سلمة الصائغ ، عن
[ ص: 97 ] إبراهيم
بن بشير الأنصاري ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12691محمد ابن الحنفية قال في قراءة
ابن مسعود : " إني أراني أعصر عنبا .
وذكر أن ذلك من لغة
أهل عمان ، وأنهم يسمون العنب خمرا .
ذكر من قال ذلك :
19274 - حدثت عن
الحسين ، قال : سمعت
أبا معاذ ، يقول : حدثنا
عبيد ، قال : سمعت
الضحاك يقول في قوله : (
إني أراني أعصر خمرا ) ، يقول : أعصر عنبا ، وهو بلغة
أهل عمان ، يسمون العنب خمرا .
19275 - حدثنا
أبو كريب ، قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع ; وحدثنا
ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي عن
سلمة بن نبيط ، عن
الضحاك : (
إني أراني أعصر خمرا ) ، قال : عنبا ، أرض كذا وكذا يدعون العنب " خمرا " .
19276 - حدثنا
القاسم ، قال : حدثنا
الحسين ، قال : حدثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، قال : قال
ابن عباس : (
إني أراني أعصر خمرا ) ، قال : عنبا .
19277 - حدثت عن
المسيب بن شريك ، عن
أبي حمزة ، عن
عكرمة ، قال : أتاه فقال : رأيت فيما يرى النائم أني غرست حبلة من عنب ، فنبتت ، فخرج فيه عناقيد فعصرتهن ، ثم سقيتهن الملك ، فقال : تمكث في السجن ثلاثة أيام ، ثم تخرج فتسقيه خمرا .
وقوله : (
وقال الآخر إني أراني أحمل فوق رأسي خبزا تأكل الطير منه نبئنا بتأويله إنا نراك ) ، يقول تعالى ذكره : وقال الآخر من الفتيين : إني أراني في منامي أحمل فوق رأسي خبزا ; يقول : أحمل على رأسي فوضعت " فوق " مكان " على " (
تأكل الطير منه ) ، يعني : من الخبز .
وقوله : (
نبئنا بتأويله ) ، يقول : أخبرنا بما يؤول إليه ما أخبرناك أنا رأيناه في منامنا ، ويرجع إليه ، كما : -
19278 - حدثني
الحارث ، قال : حدثنا
القاسم ، قال : حدثنا
يزيد ، عن
ورقاء ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد : (
نبئنا بتأويله ) ، قال : به قال
الحارث ، قال
أبو عبيد : يعني
مجاهد أن " تأويل الشيء " ، هو الشيء . قال : ومنه : " تأويل الرؤيا " ، إنما هو الشيء الذي تؤول إليه .
وقوله : (
إنا نراك من المحسنين ) اختلف أهل التأويل في معنى " الإحسان " الذي وصف به الفتيان
يوسف .
فقال بعضهم : هو أنه كان يعود مريضهم ، ويعزي حزينهم ، وإذا احتاج منهم إنسان جمع له .
ذكر من قال ذلك :
19279 - حدثنا
الحسن بن محمد ، قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16000سعيد بن منصور ، قال : حدثنا
خلف بن خليفة ، عن
سلمة بن نبيط ، عن
الضحاك بن مزاحم ، قال : كنت جالسا معه
ببلخ ، فسئل عن قوله : (
نبئنا بتأويله إنا نراك من المحسنين ) ، قال : قيل له : ما كان إحسان
يوسف؟ قال : كان إذا مرض إنسان قام عليه ، وإذا احتاج جمع له ، وإذا ضاق أوسع له .
[ ص: 99 ] 19280 - حدثنا
إسحاق ، عن أبي
إسرائيل ، قال : حدثنا
خلف بن خليفة ، عن
سلمة بن نبيط ، عن
الضحاك ، قال : سأل رجل
عبيد بن سليمان عن قوله : (
إنا نراك من المحسنين ) ما كان إحسانه؟ قال : كان إذا مرض إنسان في السجن قام عليه ، وإذا احتاج جمع له ، وإذا ضاق عليه المكان وسع له .
19281 - حدثنا
القاسم ، قال : حدثنا
الحسين ، قال : حدثني
حجاج ، عن
أبي بكر بن عبد الله ، عن
قتادة ، قوله : (
إنا نراك من المحسنين ) ، قال : بلغنا أن إحسانه أنه كان يداوي مريضهم ، ويعزي حزينهم ، ويجتهد لربه . وقال : لما انتهى
يوسف إلى السجن وجد فيه قوما قد انقطع رجاؤهم ، واشتد بلاؤهم ، فطال حزنهم ، فجعل يقول : أبشروا واصبروا تؤجروا ، إن لهذا أجرا ، إن لهذا ثوابا . فقالوا : يا فتى ، بارك الله فيك ، ما أحسن وجهك ، وأحسن خلقك ، لقد بورك لنا في جوارك ، ما نحب أنا كنا في غير هذا منذ حبسنا ، لما تخبرنا من الأجر والكفارة والطهارة ، فمن أنت يا فتى؟ قال : أنا
يوسف ، ابن صفي الله
يعقوب ، ابن ذبيح الله إسحاق بن إبراهيم خليل الله . وكانت عليه محبة . وقال له عامل السجن : يا فتى ، والله لو استطعت لخليت سبيلك ، ولكن سأحسن جوارك ، وأحسن إسارك ، فكن في أي بيوت السجن شئت .
19282 - حدثنا
أبو كريب ، قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع ، عن
خلف الأشجعي ، عن
سلمة بن نبيط ، عن
الضحاك في : (
إنا نراك من المحسنين ) ، قال : كان يوسع للرجل في مجلسه ، ويتعاهد المرضى .
وقال آخرون : معناه : (
إنا نراك من المحسنين ) ، إذا نبأتنا بتأويل رؤيانا هذه .
ذكر من قال ذلك :
19283 - حدثنا
ابن حميد ، قال : حدثنا
سلمة ، عن
ابن إسحاق ، قال : استفتياه في رؤياهما ، وقالا له : (
نبئنا بتأويله إنا نراك من المحسنين ) ، إن فعلت .
[ ص: 100 ]
قال
أبو جعفر : وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصواب ، القول الذي ذكرناه عن
الضحاك وقتادة .
فإن قال قائل : وما وجه الكلام إن كان الأمر إذن كما قلت ، وقد علمت أن مسألتهما
يوسف أن ينبئهما بتأويل رؤياهما ، ليست من الخبر عن صفته بأنه يعود المريض ويقوم عليه ، ويحسن إلى من احتاج في شيء ، وإنما يقال للرجل : " نبئنا بتأويل هذا فإنك عالم " ، وهذا من المواضع التي تحسن بالوصف بالعلم ، لا بغيره؟
قيل : إن وجه ذلك أنهما قالا له : نبئنا بتأويل رؤيانا محسنا إلينا في إخبارك إيانا بذلك ، كما نراك تحسن في سائر أفعالك : (
إنا نراك من المحسنين ) .