القول في
تأويل قوله تعالى : ( قال إنما أشكو بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون ( 86 ) )
قال
أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : قال
يعقوب للقائلين له من ولده : (
تالله تفتأ تذكر يوسف حتى تكون حرضا أو تكون من الهالكين ) : لست إليكم أشكو بثي وحزني ، وإنما أشكو ذلك إلى الله .
ويعني بقوله : (
إنما أشكو بثي ) ، ما أشكو همي وحزني إلا إلى الله .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
[ ص: 226 ]
ذكر من قال ذلك :
19709 - حدثنا
القاسم قال : حدثنا
الحسين قال : حدثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج : (
إنما أشكو بثي ) ، قال
ابن عباس : " بثي " ، همي .
19710 - حدثنا
ابن حميد قال : حدثنا
سلمة ، عن
ابن إسحاق قال : قال
يعقوب عن علم بالله : (
إنما أشكو بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون ) ، لما رأى من فظاظتهم وغلظتهم وسوء لفظهم له : لم أشك ذلك إليكم (
وأعلم من الله ما لا تعلمون ) .
19711 - حدثنا
ابن وكيع قال : حدثنا
أبو أسامة ، عن
عوف ، عن
الحسن : (
إنما أشكو بثي وحزني إلى الله ) قال : حاجتي وحزني إلى الله .
19712 - حدثنا
الحسن بن محمد قال : حدثنا
هوذة بن خليفة قال : حدثنا
عوف ، عن
الحسن ، مثله .
وقيل : إن " البث " ، أشد الحزن ، وهو عندي من : " بث الحديث " ، وإنما يراد منه : إنما أشكو خبري الذي أنا فيه من الهم ، وأبث حديثي وحزني إلى الله .
19713 - حدثني
محمد بن عمرو قال : حدثنا
أبو عاصم قال : حدثنا
يحيى بن سعيد ، عن
عوف ، عن
الحسن ، (
إنما أشكو بثي ) ، قال : حزني .
19714 - حدثنا
ابن بشار قال : حدثني
يحيى بن سعيد ، عن
عوف ، عن
الحسن : (
إنما أشكو بثي وحزني ) ، قال : حاجتي .
[ ص: 227 ]
وأما قوله (
وأعلم من الله ما لا تعلمون ) فإن
ابن عباس كان يقول في ذلك فيما ذكر عنه ما : -
19715 - حدثني به
محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس ، في قوله : (
وأعلم من الله ما لا تعلمون ) يقول : أعلم أن رؤيا
يوسف صادقة ، وأني سأسجد له .
19716 - حدثنا
ابن وكيع قال : حدثنا
عمرو ، عن
أسباط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي قال : (
إنما أشكو بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون ) ، قال : لما أخبروه بدعاء الملك ، أحست نفس
يعقوب وقال : ما يكون في الأرض صديق إلا نبي ! فطمع قال : لعله
يوسف .
19717 - حدثنا
بشر قال : حدثنا
يزيد قال : حدثنا
سعيد ، عن
قتادة : (
قال إنما أشكو بثي وحزني إلى الله ) الآية ، ذكر لنا أن نبي الله
يعقوب لم ينزل به بلاء قط إلا أتى حسن ظنه بالله من ورائه .
19718 - حدثنا
ابن حميد قال : حدثنا
حكام ، عن
عيسى بن يزيد ، عن
الحسن قال : قيل : ما بلغ وجد
يعقوب على ابنه؟ قال : وجد سبعين ثكلى! . قال : فما كان له من الأجر؟ قال : أجر مئة شهيد . قال : وما ساء ظنه بالله ساعة من ليل ولا نهار .
19719 - حدثنا به
ابن حميد مرة أخرى قال : حدثنا
حكام ، عن
أبي معاذ ، عن
يونس ، عن
الحسن ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، مثله .
19720 - حدثنا
ابن حميد قال : حدثنا
سلمة ، عن
المبارك بن مجاهد ، عن رجل من
الأزد ، عن
طلحة بن مصرف الإيامي قال : ثلاثة لا تذكرهن واجتنب ذكرهن : لا تشك مرضك ، ولا تشك مصيبتك ، ولا تزك نفسك . قال :
[ ص: 228 ] وأنبئت أن
يعقوب بن إسحاق دخل عليه جار له ، فقال له : يا
يعقوب ما لي أراك قد انهشمت وفنيت ، ولم تبلغ من السن ما بلغ أبوك؟ قال : هشمني وأفناني ما ابتلاني الله به من هم
يوسف وذكره! فأوحى الله إليه : يا
يعقوب أتشكوني إلى خلقي؟ فقال : يا رب خطيئة أخطأتها ، فاغفرها لي ! قال : فإني قد غفرت لك . وكان بعد ذلك إذا سئل قال : (
إنما أشكو بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون ) .
19721 - حدثنا
عمرو بن علي قال : حدثني
nindex.php?page=showalam&ids=16862مؤمل بن إسماعيل قال : حدثنا
سفيان ، عن
حبيب بن أبي ثابت قال : بلغني أن
يعقوب كبر حتى سقط حاجباه على وجنتيه ، فكان يرفعهما بخرقة ، فقال له رجل : ما بلغ بك ما أرى؟ قال : طول الزمان وكثرة الأحزان . فأوحى الله إليه : يا
يعقوب تشكوني؟ قال : خطيئة فاغفرها .
19722 - حدثنا
ابن حميد قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=11953يحيى بن واضح قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15614ثور بن يزيد قال : دخل
يعقوب على
فرعون وقد سقط حاجباه على عينيه ، فقال : ما بلغ بك هذا يا إبراهيم؟ فقالوا : إنه
يعقوب ، فقال : ما بلغ بك هذا يا
يعقوب؟ قال : طول الزمان وكثرة الأحزان . فقال الله : يا
يعقوب أتشكوني؟ فقال : يا رب خطيئة أخطأتها ، فاغفرها لي .
19723 - حدثنا
عمرو بن علي قال : حدثنا
عبد الوهاب قال : حدثنا
هشام ، عن
ليث بن أبي سليم قال : دخل
جبريل على
يوسف السجن ، فعرفه ، فقال : أيها الملك الحسن وجهه ، الطيبة ريحه ، الكريم على ربه ، ألا تخبرني عن
يعقوب أحي هو؟ قال : نعم . قال : أيها الملك الحسن وجهه ، الطيبة ريحه ، الكريم على ربه ، فما بلغ من حزنه؟ قال : حزن سبعين مثكلة . قال : أيها الملك الحسن وجهه ، الطيبة ريحه ، الكريم على ربه ، فهل في ذلك من أجر؟ قال : أجر مئة شهيد .
[ ص: 229 ]
19724 - حدثنا
ابن حميد قال : حدثنا
سلمة ، عن
ابن إسحاق ، عن
ليث بن أبي سليم ، عن
مجاهد قال : حدثت أن جبريل أتى
يوسف صلى الله عليه وسلم وهو
بمصر في صورة رجل ، فلما رآه
يوسف عرفه ، فقام إليه فقال : أيها الملك الطيب ريحه ، الطاهر ثيابه ، الكريم على ربه ، هل لك
بيعقوب من علم؟ قال : نعم! قال : أيها الملك الطاهر ثيابه ، الكريم على ربه ، فكيف هو؟ قال : ذهب بصره . قال : أيها الملك الطاهر ثيابه ، الكريم على ربه ، وما الذي أذهب بصره؟ قال : الحزن عليك . قال : أيها الملك الطيب ريحه ، الطاهر ثيابه ، الكريم على ربه ، فما أعطي على ذلك؟ قال : أجر سبعين شهيدا .
19725 - حدثني
nindex.php?page=showalam&ids=17418يونس بن عبد الأعلى قال : أخبرنا
ابن وهب قال : قال
أبو شريح : سمعت من يحدث أن
يوسف سأل جبريل : ما بلغ من حزن
يعقوب؟ قال : حزن سبعين ثكلى . قال : فما بلغ أجره؟ قال : أجر سبعين شهيدا .
19726 - . . . قال : أخبرنا
ابن وهب قال : أخبرني
نافع بن يزيد ، عن
عبيد الله بن أبي جعفر قال : دخل
جبريل على
يوسف في البئر أو في السجن ، فقال له
يوسف : يا
جبريل ، ما بلغ حزن أبي؟ قال : حزن سبعين ثكلى . قال : فما بلغ أجره من الله؟ قال : أجر مئة شهيد .
19727 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
إسحاق قال : حدثنا
إسماعيل بن عبد الكريم قال : حدثني
عبد الصمد بن معقل قال : سمعت
nindex.php?page=showalam&ids=17285وهب بن منبه يقول : أتى
جبريل يوسف بالبشرى وهو في السجن . فقال : هل تعرفني أيها الصديق؟ قال : أرى صورة طاهرة وروحا طيبة لا تشبه أرواح الخاطئين . قال : فإني رسول رب العالمين ، وأنا الروح الأمين . قال : فما الذي أدخلك على مدخل المذنبين ، وأنت أطيب الطيبين ، ورأس المقربين ، وأمين رب العالمين؟ قال : ألم تعلم يا
يوسف أن الله يطهر البيوت بطهر النبيين ، وأن الأرض التي يدخلونها هي أطهر الأرضين ،
[ ص: 230 ] وأن الله قد طهر بك السجن وما حوله يا أطهر الطاهرين وابن المطهرين؟ إنما يتطهر بفضل طهرك وطهر آبائك الصالحين المخلصين! قال : كيف لي باسم الصديقين ، وتعدني من المخلصين ، وقد أدخلت مدخل المذنبين ، وسميت في الضالين المفسدين؟ قال : لم يفتتن قلبك ، ولم تطع سيدتك في معصية ربك ، ولذلك سماك الله في الصديقين ، وعدك من المخلصين ، وألحقك بآبائك الصالحين . قال : لك علم
بيعقوب أيها الروح الأمين؟ قال : نعم ، وهبه الله الصبر الجميل ، وابتلاه بالحزن عليك ، فهو كظيم . قال : فما قدر حزنه؟ قال : حزن سبعين ثكلى . قال : فماذا له من الأجر يا جبريل؟ قال : قدر مئة شهيد .
19728 - حدثنا
ابن حميد قال : حدثنا
جرير ، عن
ليث ، عن
ثابت البناني قال : دخل
جبريل على
يوسف في السجن ، فعرفه
يوسف قال : فأتاه فسلم عليه ، فقال : أيها الملك الطيب ريحه ، الطاهر ثيابه ، الكريم على ربه ، هل لك من علم
بيعقوب؟ قال : نعم . قال : أيها الملك الطيب ريحه ، الطاهر ثيابه ، الكريم على ربه ، هل تدري ما فعل؟ قال : ابيضت عيناه . قال : أيها الملك الطيب ريحه ، الطاهر ثيابه ، الكريم على ربه ، مم ذاك؟ قال : من الحزن عليك . قال : أيها الملك الطيب ريحه ، الطاهر ثيابه ، الكريم على ربه ، وما بلغ من حزنه؟ قال : حزن سبعين مثكلة . قال : أيها الملك الطيب ريحه ، الطاهر ثيابه ، الكريم على ربه ، هل له على ذلك من أجر؟ قال : نعم أجر مئة شهيد .
19729 - حدثنا
ابن وكيع قال : حدثنا
عمرو ، عن
أسباط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي قال : أتى
جبرئيل يوسف وهو في السجن فسلم عليه ، وجاءه في صورة رجل حسن
[ ص: 231 ] الوجه طيب الريح نقي الثياب ، فقال له
يوسف : أيها الملك الحسن وجهه ، الكريم على ربه ، الطيب ريحه ، حدثني كيف
يعقوب؟ قال : حزن عليك حزنا شديدا . قال : وما بلغ من حزنه؟ قال : حزن سبعين مثكلة . قال : فما بلغ من أجره؟ قال : أجر سبعين أو مئة شهيد . قال
يوسف : فإلى من أوى بعدي؟ قال : إلى أخيك
بنيامين . قال : فتراني ألقاه أبدا؟ قال : نعم . فبكى
يوسف لما لقي أبوه بعده ، ثم قال : ما أبالي ما لقيت إن الله أرانيه .
19730 - . . . قال : حدثنا
عمرو بن محمد ، عن
إبراهيم بن يزيد ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16666عمرو بن دينار ، عن
عكرمة قال : أتى
جبريل يوسف وهو في السجن ، فسلم عليه ، فقال له
يوسف ، أيها الملك الكريم على ربه ، الطيب ريحه ، الطاهر ثيابه ، هل لك من علم
بيعقوب؟ قال : نعم ما أشد حزنه ! قال : أيها الملك الكريم على ربه ، الطيب ريحه ، الطاهر ثيابه ، ماذا له من الأجر؟ قال : أجر سبعين شهيدا . قال : أفتراني لاقيه؟ قال : نعم . قال : فطابت نفس
يوسف .
19731 - حدثنا
ابن حميد قال : حدثنا
جرير ، عن
ليث ، عن
سعيد بن جبير قال : لما دخل
يعقوب على الملك وحاجباه قد سقطا على عينيه ، قال الملك : ما هذا؟ قال : السنون والأحزان ، أو : الهموم والأحزان ، فقال ربه : يا
يعقوب لم تشكوني إلى خلقي ، ألم أفعل بك وأفعل؟
19732 - حدثنا
الحسن بن يحيى قال : أخبرنا
عبد الرزاق قال : أخبرنا
الثوري ، عن
عبد الرحمن بن زياد ، عن
مسلم بن يسار يرفعه إلى
النبي صلى الله عليه وسلم قال : من بث لم يصبر ثم قرأ : ( إنما أشكو بثي وحزني إلى الله ) .
19733 - حدثني
عمرو بن عبد الحميد الآملي قال : حدثنا
أبو أسامة ،
[ ص: 232 ] عن
هشام ، عن
الحسن قال : كان منذ خرج
يوسف من عند
يعقوب إلى يوم رجع ثمانون سنة ، لم يفارق الحزن قلبه ، يبكي حتى ذهب بصره . قال
الحسن : والله ما على الأرض يومئذ خليقة أكرم على الله من
يعقوب صلى الله عليه وسلم .