القول في تأويل قوله تعالى : (
الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها ثم استوى على العرش وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى يدبر الأمر يفصل الآيات لعلكم بلقاء ربكم توقنون ( 2 ) )
قال
أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : الله ، يا
محمد هو الذي رفع السماوات السبع بغير عمد ترونها ، فجعلها للأرض سقفا مسموكا .
و "العمد" جمع "عمود" وهي السواري ، وما يعمد به البناء ، كما قال النابغة :
وخيس الجن إني قد أذنت لهم يبنون تدمر بالصفاح والعمد
[ ص: 323 ]
وجمع "العمود" "عمد" كما جمع الأديم : "أدم" ولو جمع بالضم فقيل : "عمد" جاز ، كما يجمع "الرسول" "رسل" ، و "الشكور" "شكر" .
واختلف أهل التأويل في تأويل قوله : (
رفع السماوات بغير عمد ترونها ) .
فقال بعضهم : تأويل ذلك : الله الذي رفع السماوات بعمد لا ترونها .
ذكر من قال ذلك :
20051 - حدثنا
أحمد بن هشام قال : حدثنا
معاذ بن معاذ قال : حدثنا
عمران بن حدير ، عن
عكرمة قال : قلت
nindex.php?page=showalam&ids=11لابن عباس : إن فلانا يقول : إنها على عمد يعني السماء؟ قال : فقال : اقرأها (
بغير عمد ترونها ) : أي لا ترونها .
20052 - حدثنا
الحسن بن محمد بن الصباح قال : حدثنا
معاذ بن معاذ ، عن
عمران بن حدير ، عن
عكرمة ، عن
ابن عباس ، مثله .
20053 - حدثنا
الحسن بن محمد قال : حدثنا
عفان قال : حدثنا
حماد قال : حدثنا
حميد ، عن
الحسن بن مسلم ، عن
مجاهد في قوله : (
بغير عمد ترونها ) ، قال : بعمد لا ترونها .
20054 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
الحجاج قال : حدثنا
حماد ، عن
حميد ، عن
الحسن بن مسلم ، عن
مجاهد ، في قول الله : (
بغير عمد ترونها ) قال : هي : لا ترونها .
[ ص: 324 ]
20055 - حدثنا
الحسن بن محمد قال : حدثنا
شبابة قال : حدثنا
ورقاء ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد ( بغير عمد ) يقول : عمد [ لا ترونها ] .
20056 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
أبو حذيفة قال : حدثنا
شبل ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد ، مثله .
20057 - . . . . . . قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا
عبد الرزاق ، عن
معمر ، عن
الحسن وقتادة قوله : (
الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها ) قال
قتادة : قال
ابن عباس : بعمد ولكن لا ترونها .
20058 - حدثنا
أحمد بن إسحاق قال : حدثنا
أبو أحمد قال : حدثنا
شريك ، عن
سماك ، عن
عكرمة ، عن
ابن عباس ، قوله : (
رفع السماوات بغير عمد ترونها ) قال : ما يدريك؟ لعلها بعمد لا ترونها .
ومن تأول ذلك كذلك ، قصد مذهب تقديم العرب الجحد من آخر الكلام إلى أوله ، كقول الشاعر
ولا أراها تزال ظالمة تحدث لي نكبة وتنكؤها
يريد : أراها لا تزال ظالمة ، فقدم الجحد عن موضعه من "تزال" وكما قال الآخر :
[ ص: 325 ] إذا أعجبتك الدهر حال من امرئ فدعه وواكل حاله واللياليا
يجئن على ما كان من صالح به وإن كان فيما لا يرى الناس آليا
يعني : وإن كان فيما يرى الناس لا يألو .
وقال آخرون ، بل هي مرفوعة بغير عمد .
ذكر من قال ذلك :
20059 - حدثنا
محمد بن خلف العسقلاني قال : أخبرنا
آدم قال : حدثنا
حماد بن سلمة ، عن
إياس بن معاوية ، في قوله : (
رفع السماوات بغير عمد ترونها ) قال : السماء مقببة على الأرض مثل القبة .
20060 - حدثنا
بشر قال : حدثنا
يزيد قال : حدثنا
سعيد ، عن
قتادة ، قوله : (
بغير عمد ترونها ) قال : رفعها بغير عمد .
قال
أبو جعفر : وأولى الأقوال في ذلك بالصحة أن يقال كما قال الله تعالى : (
الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها ) فهي مرفوعة بغير عمد نراها ، كما قال ربنا جل ثناؤه . ولا خبر بغير ذلك ، ولا حجة يجب التسليم لها بقول سواه .
وأما قوله : (
ثم استوى على العرش ) فإنه يعني : علا عليه .
وقد بينا معنى الاستواء واختلاف المختلفين فيه ، والصحيح من القول فيما قالوا فيه ، بشواهده فيما مضى ، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع .
[ ص: 326 ]
وقوله : (
وسخر الشمس والقمر ) يقول : وأجرى الشمس والقمر في السماء ، فسخرهما فيها لمصالح خلقه ، وذللهما لمنافعهم ، ليعلموا بجريهما فيها عدد السنين والحساب ، ويفصلوا به بين الليل والنهار .
وقوله : (
كل يجري لأجل مسمى ) يقول جل ثناؤه : كل ذلك يجري في السماء ( لأجل مسمى ) : أي : لوقت معلوم ، وذلك إلى فناء الدنيا وقيام القيامة التي عندها تكور الشمس ، ويخسف القمر ، وتنكدر النجوم .
وحذف ذلك من الكلام لفهم السامعين من أهل لسان من نزل بلسانه القرآن معناه ، وأن ( "كل" ) لا بد لها من إضافة إلى ما تحيط به .
وبنحو الذي قلنا في قوله : ( لأجل مسمى ) قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
20061 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
أبو حذيفة قال : حدثنا
شبل ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد : (
وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى ) قال : الدنيا .
وقوله : (
يدبر الأمر ) يقول تعالى ذكره : يقضي الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها أمور الدنيا والآخرة كلها ، ويدبر ذلك كله وحده ، بغير شريك ولا ظهير ولا معين ، سبحانه .
[ ص: 327 ]
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
20062 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
أبو حذيفة قال : حدثنا
شبل ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد (
يدبر الأمر ) يقضيه وحده .
20063 - . . . . . . . . . قال : حدثنا
إسحاق قال : حدثنا
عبد الله ، عن
ورقاء ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد ، بنحوه .
20064 - حدثنا
القاسم قال : حدثنا
الحسين قال : حدثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
مجاهد ، بنحوه .
وقوله : (
يفصل الآيات ) يقول : يفصل لكم ربكم آيات كتابه ، فيبينها لكم احتجاجا بها عليكم ، أيها الناس (
لعلكم بلقاء ربكم توقنون ) يقول : لتوقنوا بلقاء الله ، والمعاد إليه ، فتصدقوا بوعده ووعيده ، وتنزجروا عن عبادة الآلهة والأوثان ، وتخلصوا له العبادة إذا أيقنتم ذلك .
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
20065 - حدثنا
بشر قال : حدثنا
يزيد قال : حدثنا
سعيد ، عن
قتادة : (
لعلكم بلقاء ربكم توقنون ) ، وإن الله تبارك وتعالى إنما أنزل كتابه وأرسل رسله ، لنؤمن بوعده ، ونستيقن بلقائه .