القول في تأويل قوله تعالى : (
ويستعجلونك بالسيئة قبل الحسنة وقد خلت من قبلهم المثلات وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم وإن ربك لشديد العقاب ( 6 ) )
قال
أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : (
ويستعجلونك ) يا
محمد ، مشركو قومك بالبلاء والعقوبة قبل الرخاء والعافية ، فيقولون : (
اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم ) [ سورة الأنفال : 32 ] وهم يعلمون ما حل بمن خلا قبلهم من الأمم التي عصت ربها وكذبت رسلها من عقوبات الله وعظيم بلائه ، فمن بين أمة مسخت قردة وأخرى خنازير ، ومن بين أمة أهلكت بالرجفة ، وأخرى بالخسف ، وذلك هو ( المثلات ) التي قال الله جل ثناؤه . (
وقد خلت من قبلهم المثلات ) .
و ( المثلات ) ، العقوبات المنكلات ، والواحدة منها : "مثلة" بفتح الميم وضم الثاء ، ثم تجمع "مثلات" كما واحدة "الصدقات" "صدقة" ثم تجمع "صدقات" . وذكر أن
تميما من بين العرب تضم الميم والثاء جميعا من "المثلات"
[ ص: 351 ] فالواحدة على لغتهم منها : "مثلة" ثم تجمع "مثلات" مثل "غرفة" وغرفات ، والفعل منه : " مثلت به أمثل مثلا" بفتح الميم وتسكين الثاء فإذا أردت أنك أقصصته من غيره ، قلت : "أمثلته من صاحبه أمثله إمثالا وذلك إذا أقصصته منه .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
20130 - حدثنا
بشر قال : حدثنا
يزيد قال : حدثنا
سعيد ، عن
قتادة ، قوله : (
وقد خلت من قبلهم المثلات ) ، وقائع الله في الأمم فيمن خلا قبلكم وقوله : (
ويستعجلونك بالسيئة قبل الحسنة ) ، وهم مشركو العرب استعجلوا بالشر قبل الخير ، وقالوا : (
اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم ) ، [ سورة الأنفال : 32 ] .
20131 - حدثنا
محمد بن عبد الأعلى قال : حدثنا
محمد بن ثور ، عن
معمر ، عن
قتادة : (
ويستعجلونك بالسيئة قبل الحسنة ) قال : بالعقوبة قبل العافية (
وقد خلت من قبلهم المثلات ) قال : العقوبات .
20132 - حدثنا
الحسن بن محمد قال : حدثنا
شبابة قال : حدثنا
ورقاء ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد ، قوله : ( المثلات ) قال : الأمثال .
20133 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
أبو حذيفة قال : حدثنا
شبل ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد
20134 - وحدثني
المثنى : قال : حدثنا
إسحاق قال : حدثنا
عبد الله ، عن
ورقاء ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد ، مثله .
20135 - حدثني
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب قال : قال
ابن زيد ، في
[ ص: 352 ] قوله : (
وقد خلت من قبلهم المثلات ) قال : ( المثلات ) ، الذي مثل الله به الأمم من العذاب الذي عذبهم ، تولت المثلات من العذاب ، قد خلت من قبلهم ، وعرفوا ذلك ، وانتهى إليهم ما مثل الله بهم حين عصوه وعصوا رسله .
20136 - حدثني
الحارث قال : حدثنا
عبد العزيز قال : حدثنا
سليم قال : سمعت
الشعبي يقول في قوله : (
وقد خلت من قبلهم المثلات ) ، قال : القردة والخنازير هي المثلات .
وقوله : (
وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم ) ، يقول تعالى ذكره : وإن ربك يا
محمد لذو ستر على ذنوب من تاب من ذنوبه من الناس ، فتارك فضيحته بها في موقف القيامة ، وصافح له عن عقابه عليها عاجلا وآجلا ( على ظلمهم ) ، يقول : على فعلهم ما فعلوا من ذلك بغير إذني لهم بفعله (
وإن ربك لشديد العقاب ) ، لمن هلك مصرا على معاصيه في القيامة ، إن لم يعجل له ذلك في الدنيا ، أو يجمعهما له في الدنيا والآخرة .
قال
أبو جعفر : وهذا الكلام ، وإن كان ظاهره ظاهر خبر ، فإنه وعيد من الله وتهديد للمشركين من قوم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إن هم لم ينيبوا ويتوبوا من كفرهم قبل حلول نقمة الله بهم .
20137 - حدثني
علي بن داود قال : حدثنا
عبد الله بن صالح قال : حدثني
معاوية ، عن
علي بن أبي طلحة ، عن
ابن عباس : (
وإن ربك لذو مغفرة للناس ) ، يقول : ولكن ربك .