القول في
تأويل قوله تعالى : ( ولقد استهزئ برسل من قبلك فأمليت للذين كفروا ثم أخذتهم فكيف كان عقاب ( 32 ) )
قال
أبو جعفر : يقول تعالى ذكره لنبيه
محمد صلى الله عليه وسلم : يا
محمد إن يستهزئ هؤلاء المشركون من قومك ويطلبوا منك الآيات تكذيبا منهم ما جئتهم به ، فاصبر على أذاهم لك وامض لأمر ربك في إنذارهم ، والإعذار إليهم ، فلقد استهزأت أمم من قبلك - قد خلت فمضت - برسلي ، فأطلت لهم في المهل ، ومددت لهم في الأجل ، ثم أحللت بهم عذابي ونقمتي حين تمادوا في غيهم وضلالهم ، فانظر كيف كان عقابي إياهم حين عاقبتهم ،
[ ص: 461 ] ألم أذقهم أليم العذاب ، وأجعلهم عبرة لأولي الألباب؟
و "الإملاء" في كلام العرب : الإطالة ، يقال منه : "أمليت لفلان" إذا أطلت له في المهل ، ومنه : "الملاوة من الدهر" ومنه قولهم : "تمليت حبيبا ، ولذلك قيل لليل والنهار : "الملوان" لطولهما ، كما قال
ابن مقبل :
ألا يا ديار الحي بالسبعان ألح عليها بالبلى الملوان
وقيل للخرق الواسع من الأرض : "ملا" كما قال الشاعر :
فأخضل منها كل بال وعين وجيف الروايا بالملا المتباطن
لطول ما بين طرفيه وامتداده .