[ ص: 499 ] القول في
تأويل قوله تعالى : ( وقد مكر الذين من قبلهم فلله المكر جميعا يعلم ما تكسب كل نفس وسيعلم الكفار لمن عقبى الدار ( 42 ) )
قال
أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : قد مكر الذين من قبل هؤلاء المشركين من
قريش من الأمم التي سلفت بأنبياء الله ورسله (
فلله المكر جميعا ) ، يقول : فلله أسباب المكر جميعا ، وبيده وإليه ، لا يضر مكر من مكر منهم أحدا إلا من أراد ضره به ، يقول : فلم يضر الماكرون بمكرهم إلا من شاء الله أن يضره ذلك ، وإنما ضروا به أنفسهم لأنهم أسخطوا ربهم بذلك على أنفسهم حتى أهلكهم ، ونجى رسله . يقول : فكذلك هؤلاء المشركون من
قريش يمكرون بك ، يا محمد ، والله منجيك من مكرهم ، وملحق ضر مكرهم بهم دونك .
وقوله : (
يعلم ما تكسب كل نفس ) ، يقول : يعلم ربك ، يا
محمد ما يعمل هؤلاء المشركون من قومك ، وما يسعون فيه من المكر بك ، ويعلم جميع أعمال الخلق كلهم ، لا يخفى عليه شيء منها (
وسيعلم الكفار لمن عقبى الدار ) ، يقول : وسيعلمون إذا قدموا على ربهم يوم القيامة لمن عاقبة الدار الآخرة حين يدخلون النار ، ويدخل المؤمنون بالله ورسوله الجنة .
قال
أبو جعفر : واختلفت القرأة في قراءة ذلك :
فقرأته قرأة
المدينة وبعض
البصرة : "وسيعلم الكافر" على التوحيد .
[ ص: 500 ] وأما قرأة
الكوفة فإنهم قرءوه : (
وسيعلم الكفار ) ، على الجمع .
قال
أبو جعفر : والصواب من القراءة في ذلك ، القراءة على الجميع : (
وسيعلم الكفار ) لأن الخبر جرى قبل ذلك عن جماعتهم ، وأتبع بعده الخبر عنهم ، وذلك قوله : (
وإما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك ) وبعده قوله : (
ويقول الذين كفروا لست مرسلا ) . وقد ذكر أنها في قراءة
ابن مسعود : "وسيعلم الكافرون" وفى قراءة أبي : " ( وسيعلم الذين كفروا ) " وذلك كله دليل على صحة ما اخترنا من القراءة في ذلك .