القول في
تأويل قوله عز ذكره : ( الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض وويل للكافرين من عذاب شديد ( 2 ) )
قال
أبو جعفر : اختلفت القرأة في قراءة ذلك .
فقرأته عامة قرأة
المدينة والشأم : " الله الذي له ما في السماوات " برفع اسم
[ ص: 513 ] "الله" على الابتداء ، وتصيير قوله : (
الذي له ما في السماوات ) ، خبره .
وقرأته عامة قرأة
أهل العراق والكوفة والبصرة : ( الله الذي ) بخفض اسم الله على إتباع ذلك ( العزيز الحميد ) ، وهما خفض .
وقد اختلف أهل العربية في تأويله إذ قرئ كذلك .
فذكر عن
nindex.php?page=showalam&ids=12114أبي عمرو بن العلاء أنه كان يقرؤه بالخفض . ويقول : معناه : بإذن ربهم إلى صراط [ الله ] العزيز الحميد الذي له ما في السماوات . ويقول : هو من المؤخر الذي معناه التقديم ، ويمثله بقول القائل : "مررت بالظريف عبد الله" والكلام الذي يوضع مكان الاسم النعت ، ثم يجعل الاسم مكان النعت ، فيتبع إعرابه إعراب النعت الذي وضع موضع الاسم ، كما قال بعض الشعراء :
لو كنت ذا نبل وذا شزيب ما خفت شدات الخبيث الذيب
وأما
الكسائي فإنه كان يقول فيما ذكر عنه : من خفض أراد أن يجعله كلاما واحدا ، وأتبع الخفض الخفض ، وبالخفض كان يقرأ .
قال
أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك عندي ، أنهما قراءتان مشهورتان ، قد قرأ بكل واحدة منهما أئمة من القراء ، معناهما واحد ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب .
[ ص: 514 ] وقد يجوز أن يكون الذي قرأه بالرفع أراد معنى من خفض في إتباع الكلام بعضه بعضا ، ولكنه رفع لانفصاله من الآية التي قبله ، كما قال جل ثناؤه : (
إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم ) إلى آخر الآية ثم قال : (
التائبون العابدون ) [ سورة التوبة : 111 ، 112 ] .
ومعنى قوله : (
الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض ) الله الذي يملك جميع ما في السماوات وما في الأرض .
يقول لنبيه
محمد صلى الله عليه وسلم : أنزلنا إليك هذا الكتاب لتدعو عبادي إلى عبادة من هذه صفته ، ويدعوا عبادة من لا يملك لهم ولا لنفسه ضرا ولا نفعا من الآلهة والأوثان . ثم توعد جل ثناؤه من كفر به ، ولم يستجب لدعاء رسوله إلى ما دعاه إليه من إخلاص التوحيد له فقال : (
وويل للكافرين من عذاب شديد ) يقول : الوادي الذي يسيل من صديد أهل جهنم ، لمن جحد وحدانيته ، وعبد معه غيره ، من عذاب الله الشديد .