القول في
تأويل قوله عز ذكره : ( الذين يستحبون الحياة الدنيا على الآخرة ويصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا أولئك في ضلال بعيد ( 3 ) )
قال
أبو جعفر : يعني جل ثناؤه بقوله : (
الذين يستحبون الحياة الدنيا على الآخرة ) ، الذين يختارون الحياة الدنيا ومتاعها ومعاصي الله فيها ، على طاعة الله
[ ص: 515 ] وما يقربهم إلى رضاه من الأعمال النافعة في الآخرة (
ويصدون عن سبيل الله ) ، يقول : ويمنعون من أراد الإيمان بالله واتباع رسوله على ما جاء به من عند الله ، من الإيمان به واتباعه (
ويبغونها عوجا ) يقول : ويلتمسون سبيل الله وهي دينه الذي ابتعث به رسوله ( عوجا ) : تحريفا وتبديلا بالكذب والزور .
"والعوج" بكسر العين وفتح الواو ، في الدين والأرض وكل ما لم يكن قائما ، فأما في كل ما كان قائما ، كالحائط والرمح والسن ، فإنه يقال بفتح العين والواو جميعا "عوج" .
يقول الله عز ذكره : (
أولئك في ضلال بعيد ) يعني هؤلاء الكافرين الذين يستحبون الحياة الدنيا على الآخرة . يقول : هم في ذهاب عن الحق بعيد ، وأخذ على غير هدى ، وجور عن قصد السبيل .
وقد اختلف أهل العربية في وجه دخول "على" في قوله : ( على الآخرة ) ، فكان بعض نحويي البصرة يقول : أوصل الفعل ب "على" كما قيل : "ضربوه في السيف" يريد بالسيف ، وذلك أن هذه الحروف يوصل بها كلها وتحذف ،
[ ص: 516 ] نحو قول العرب : "نزلت زيدا" و "مررت زيدا" يريدون : مررت به ، ونزلت عليه .
وقال بعضهم : إنما أدخل ذلك؛ لأن الفعل يؤدي عن معناه من الأفعال ، ففي قوله : (
يستحبون الحياة الدنيا ) معناه يؤثرون الحياة الدنيا على الآخرة ، ولذلك أدخلت "على" .
وقد بينت هذا ونظائره في غير موضع من الكتاب ، بما أغنى عن الإعادة .