القول في
تأويل قوله عز ذكره : ( من ورائه جهنم ويسقى من ماء صديد ( 16 )
يتجرعه ولا يكاد يسيغه ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت ومن ورائه عذاب غليظ ( 17 ) )
قال
أبو جعفر : يقول عز ذكره : (
من ورائه ) ، من أمام كل جبار ( جهنم ) ، يردونها .
و "وراء" في هذا الموضع ، يعني أمام ، كما يقال : "إن الموت من ورائك" أي قدامك ، وكما قال الشاعر :
[ ص: 547 ] أتوعدني وراء بني رياح كذبت لتقصرن يداك دوني
يعني "وراء
بني رياح " قدام
بني رياح وأمامهم .
وكان بعض نحويي أهل
البصرة يقول : إنما يعني بقوله : (
من ورائه ) ، أي من أمامه؛ لأنه وراء ما هو فيه ، كما يقول لك : "وكل هذا من ورائك" أي سيأتي عليك ، وهو من وراء ما أنت فيه؛ لأن ما أنت فيه قد كان قبل ذلك وهو من ورائه . وقال : (
وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا ) [ سورة الكهف : 79 ] ، من هذا المعنى ، أي كان وراء ما هم فيه أمامهم .
وكان بعض نحويي
أهل الكوفة يقول : أكثر ما يجوز هذا في الأوقات؛ لأن الوقت يمر عليك ، فيصير خلفك إذا جزته ، وكذلك (
وكان وراءهم ملك ) ؛ لأنهم يجوزونه فيصير وراءهم .
وكان بعضهم يقول : هو من حروف الأضداد ، يعني "وراء" يكون قداما وخلفا .
وقوله : (
ويسقى من ماء صديد ) ، يقول : ويسقى من ماء ، ثم بين ذلك الماء جل ثناؤه وما هو ، فقال : هو صديد ولذلك رد "الصديد" في إعرابه على "الماء " لأنه بيان عنه .
[ ص: 548 ] و "الصديد" هو القيح والدم .
وكذلك تأوله أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
20626 - حدثني
محمد بن عمرو قال : حدثنا
أبو عاصم قال : حدثنا
عيسى وحدثني
الحارث قال : حدثنا
الحسن ، قال : حدثنا
ورقاء ح وحدثنا
الحسن بن محمد قال : حدثنا
شبابة قال : حدثنا
ورقاء عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد ، في قوله : (
من ماء صديد ) ، قال قيح ودم .
20627 - حدثنا
المثنى قال : حدثنا
أبو حذيفة قال : حدثنا
شبل ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد ، مثله .
20628 - حدثنا
بشر قال : حدثنا
يزيد قال : حدثنا
سعيد ، عن
قتادة ، قوله : (
ويسقى من ماء صديد ) ، و "الصديد" ما يسيل من لحمه وجلده .
20629 - حدثنا
الحسن بن يحيى قال : أخبرنا
عبد الرزاق قال : أخبرنا
معمر ، عن
قتادة ، في قوله : (
ويسقى من ماء صديد ) ، قال : ما يسيل من بين لحمه وجلده .
20630 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
إسحاق قال : حدثنا
هشام ، عمن ذكره ، عن
الضحاك : (
ويسقى من ماء صديد ) ، قال : يعني بالصديد : ما يخرج من جوف الكافر ، قد خالط القيح والدم .
وقوله : ( يتجرعه ) ، يتحساه (
ولا يكاد يسيغه ) ، يقول : ولا يكاد يزدرده - من شدة كراهته - وهو مسيغه من شدة العطش .
[ ص: 549 ] والعرب تجعل "لا يكاد" فيما قد فعل ، وفيما لم يفعل . فأما ما قد فعل ، فمنه هذا؛ لأن الله جل ثناؤه جعل لهم ذلك شرابا . وأما ما لم يفعل وقد دخلت فيه "كاد" فقوله : حتى (
إذا أخرج يده لم يكد يراها ) [ سورة النور : 40 ] ، فهو لا يراها .
وبنحو ما قلنا من أن معنى قوله : (
ولا يكاد يسيغه ) ، وهو يسيغه ، جاء الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ذكر الرواية بذلك :
20631 - حدثني
nindex.php?page=showalam&ids=12166محمد بن المثنى قال : حدثنا
إبراهيم أبو إسحاق الطالقاني قال : حدثنا
ابن المبارك ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16230صفوان بن عمرو ، عن
عبيد الله بن بسر ، عن
أبي أمامة ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=810700عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : ( ويسقى من ماء صديد يتجرعه ) ، "فإذا شربه قطع أمعاءه حتى يخرج من دبره" ، يقول الله عز وجل : (
وسقوا ماء حميما فقطع أمعاءهم ) [ سورة محمد : 15 ] ، ويقول : (
وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب ) [ سورة الكهف : 29 ] .
20632 - حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12166ابن المثنى قال : حدثنا
معمر ، عن
ابن المبارك قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16230صفوان بن عمرو ، عن
عبيد الله بن بسر ، عن
أبي أمامة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : (
ويسقى من ماء صديد ) ، فذكر مثله ، إلا أنه قال : ( سقوا ماء حميما ) .
[ ص: 550 ] [ ص: 551 ]
20633 - حدثني
محمد بن خلف العسقلاني قال : حدثنا
حيوة بن شريح الحمصي قال : حدثنا بقية ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16230صفوان بن عمرو قال : حدثني
عبيد الله بن بسر ، عن أبي أمامة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، مثله سواء .
وقوله : (
ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت ) ، فإنه يقول : ويأتيه الموت من بين يديه ومن خلفه ، وعن يمينه وشماله ، ومن كل موضع من أعضاء جسده (
وما هو بميت ) ؛ لأنه لا تخرج نفسه فيموت فيستريح ، ولا يحيا لتعلق نفسه بالحناجر ، فلا ترجع إلى مكانها ، كما : -
20634 - حدثنا
القاسم قال : حدثنا
الحسين قال : حدثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
مجاهد ، في قوله : (
يتجرعه ولا يكاد يسيغه ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت ) ، قال : تعلق نفسه عند حنجرته ، فلا تخرج من فيه فيموت ، ولا ترجع إلى مكانها من جوفه ، فيجد لذلك راحة ، فتنفعه الحياة .
20635 - حدثنا
الحسن بن محمد قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17376يزيد بن هارون قال : حدثنا
العوام بن حوشب ، عن
إبراهيم التيمي قوله : (
ويأتيه الموت من كل مكان ) ، قال : من تحت كل شعرة في جسده .
[ ص: 552 ] وقوله : (
ومن ورائه عذاب غليظ ) ، يقول : ومن وراء ما هو فيه من العذاب يعني أمامه وقدامه (
عذاب غليظ ) .