القول في
تأويل قوله تعالى : ( وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمنا واجنبني وبني أن نعبد الأصنام ( 35 )
رب إنهن أضللن كثيرا من الناس فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم ( 36 ) )
[ ص: 17 ] يقول تعالى ذكره : ( و ) اذكر يا
محمد (
إذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمنا ) يعني
الحرم ، بلدا آمنا أهله وسكانه (
واجنبني وبني أن نعبد الأصنام ) يقال منه : جنبته الشر فأنا أجنبه جنبا وجنبته الشر ، فأنا أجنبه تجنيبا ، وأجنبته ذلك فأنا أجنبه إجنابا ، ومن جنبت قول الشاعر :
وتنفض مهده شفقا عليه وتجنبه قلائصنا الصعابا
ومعنى ذلك : أبعدني وبني من عبادة الأصنام ، والأصنام : جمع صنم ، والصنم : هو التمثال المصور ، كما قال
nindex.php?page=showalam&ids=15876رؤبة بن العجاج في صفة امرأة :
وهنانة كالزون يجلى صنمها تضحك عن أشنب عذب ملثمه
وكذلك كان
مجاهد يقول : حدثني
المثنى ، قال : ثنا
أبو حذيفة ، قال : ثنا
شبل ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد (
وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمنا واجنبني وبني أن نعبد الأصنام ) قال : فاستجاب الله
لإبراهيم دعوته في ولده ، قال : فلم يعبد أحد من ولده صنما بعد دعوته . والصنم : التمثال المصور ، ما لم يكن صنما فهو وثن ، قال : واستجاب الله له ، وجعل هذا البلد آمنا ، ورزق أهله من الثمرات ، وجعله إماما ، وجعل من ذريته من يقيم الصلاة ، وتقبل دعاءه ، فأراه مناسكه ، وتاب عليه .
حدثنا
ابن حميد ، قال : ثنا
جرير ، عن
مغيرة ، قال : كان
إبراهيم التيمي يقص ويقول في قصصه : من يأمن من البلاء بعد خليل الله
إبراهيم ، حين يقول : رب (
اجنبني وبني أن نعبد الأصنام ) .
وقوله : (
رب إنهن أضللن كثيرا من الناس ) يقول : يا رب إن الأصنام
[ ص: 18 ] أضللن : يقول : أزلن كثيرا من الناس عن طريق الهدى وسبيل الحق حتى عبدوهن ، وكفروا بك .
حدثنا
بشر ، قال : ثنا
يزيد ، قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة ، قوله (
إنهن أضللن كثيرا من الناس ) يعني الأوثان .
حدثني
المثنى ، قال : ثنا
إسحاق ، قال : ثنا
هشام ، عن
عمرو ، عن
سعيد ، عن
قتادة (
إنهن أضللن كثيرا من الناس ) قال : الأصنام .
وقوله : (
فمن تبعني فإنه مني ) يقول : فمن تبعني على ما أنا عليه من الإيمان بك وإخلاص العبادة لك وفراق عبادة الأوثان ، فإنه مني : يقول : فإنه مستن بسنتي ، وعامل بمثل عملي (
ومن عصاني فإنك غفور رحيم ) يقول : ومن خالف أمري فلم يقبل مني ما دعوته إليه ، وأشرك بك ، فإنك غفور لذنوب المذنبين الخطائين بفضلك ، ورحيم بعبادك تعفو عمن تشاء منهم .
كما حدثنا
بشر ، قال : ثنا
يزيد ، قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة قوله (
فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم ) اسمعوا إلى قول
خليل الله إبراهيم لا والله ما كانوا طعانين ولا لعانين ، وكان يقال : إن من أشر عباد الله كل طعان لعان ، قال نبي الله
ابن مريم عليه السلام : (
إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم ) .
حدثني
المثنى ، قال : ثنا
أصبغ بن الفرج ، قال : أخبرني
ابن وهب ، قال : ثنا
عمرو بن الحارث أن
بكر بن سؤادة حدثه عن
عبد الرحمن بن جبير ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13عبد الله بن عمرو بن العاص ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=810714أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تلا قول إبراهيم ( رب إنهن أضللن كثيرا من الناس فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم ) ، وقال عيسى ( إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم ) فرفع يديه ثم قال : اللهم أمتي ، اللهم أمتي ، وبكى ، فقال الله تعالى : يا جبريل اذهب إلى محمد ، وربك أعلم ، فاسأله ما يبكيه؟ فأتاه جبرئيل فسأله ، فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال ، قال : فقال الله : يا جبرئيل اذهب إلى محمد وقل له : إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوءك .