القول
تأويل قوله تعالى : ( وترى المجرمين يومئذ مقرنين في الأصفاد ( 49 )
سرابيلهم من قطران وتغشى وجوههم النار ( 50 )
ليجزي الله كل نفس ما كسبت إن الله سريع الحساب ( 51 ) )
يقول تعالى ذكره : وتعاين الذين كفروا بالله ، فاجترموا في الدنيا الشرك يومئذ ، يعني : يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات . (
مقرنين في الأصفاد ) يقول : مقرنة أيديهم وأرجلهم إلى رقابهم بالأصفاد ، وهي الوثاق من غل وسلسلة ، واحدها : صفد ، يقال منه : صفدته في الصفد صفدا وصفادا ،
[ ص: 53 ] والصفاد : القيد ، ومنه قول
عمرو بن كلثوم :
فآبوا بالنهاب وبالسبايا وأبنا بالملوك مصفدينا ومن جعل الواحد من ذلك صفادا جمعه : صفدا لا أصفادا ، وأما من العطاء ، فإنه يقال منه : أصفدته إصفادا ، كما قال
الأعشى :
تضيفته يوما فأكرم مجلسي وأصفدني عند الزمانة قائدا وقد قيل في العطاء أيضا : صفدني صفدا ، كما قال
النابغة الذبياني :
هذا الثناء فإن تسمع لقائله فما عرضت أبيت اللعن بالصفد وبنحو الذي قلنا في معنى قوله (
مقرنين في الأصفاد ) قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
المثنى ، قال : ثني
عبد الله بن صالح ، قال : ثني
معاوية ، عن
علي ، عن
ابن عباس ، قوله (
مقرنين في الأصفاد ) يقول : في وثاق .
حدثني
محمد بن عيسى الدامغاني ، قال : ثنا
ابن المبارك ، عن
جويبر ، عن
الضحاك ، قال : الأصفاد : السلاسل
حدثنا
محمد بن عبد الأعلى ، قال : ثنا
محمد بن ثور ، عن
معمر ، عن
قتادة (
مقرنين في الأصفاد ) قال : مقرنين في القيود والأغلال .
[ ص: 54 ] حدثنا
القاسم ، قال : ثنا
الحسين ، قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16643علي بن هاشم بن البريد ، قال : سمعت
الأعمش ، يقول : الصفد : القيد .
حدثني
يونس ، قال : أخبرنا
ابن وهب ، قال : قال
ابن زيد ، في قوله (
مقرنين في الأصفاد ) قال : صفدت فيها أيديهم وأرجلهم ورقابهم ، والأصفاد : الأغلال .
وقوله : (
سرابيلهم من قطران ) يقول : قمصهم التي يلبسونها ، واحدها : سربال ، كما قال
امرؤ القيس :
لعوب تنسيني إذا قمت سربالي
حدثني
يونس ، قال : أخبرنا
ابن وهب ، قال : قال
ابن زيد ، في قوله (
سرابيلهم من قطران ) قال : السرابيل : القمص . وقوله : (
من قطران ) يقول : من القطران الذي يهنأ به الإبل ، وفيه لغات ثلاث : يقال : قطران وقطران بفتح القاف وتسكين الطاء منه . وقيل : إن
عيسى بن عمر كان يقرأ "من قطران" بكسر القاف وتسكين الطاء ، ومنه قول
أبي النجم :
جون كأن العرق المنتوحا لبسه القطران والمسوحا بكسر القاف ، وقال أيضا :
كأن قطرانا إذا تلاها ترمي به الريح إلى مجراها
[ ص: 55 ] بالكسر .
وبنحو ما قلناه في ذلك يقول من قرأ ذلك كذلك .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
الحسن بن محمد ، قال : ثنا
عبد الوهاب ، عن
سعيد ، عن
قتادة ، عن
الحسن (
من قطران ) يعني : الخصخاص هناء الإبل .
حدثنا
محمد بن عبد الأعلى ، قال : ثنا
محمد بن ثور ، عن
معمر ، عن
الحسن (
من قطران ) قال : قطران الإبل .
وقال بعضهم : القطران : النحاس .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
القاسم ، قال : ثنا
الحسين ، قال : ثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
مجاهد ، قال : قطران : نحاس ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج : قال
ابن عباس (
من قطران ) نحاس .
حدثنا
القاسم ، قال : ثنا
الحسين ، قال : ثنا
أبو سفيان ، عن
معمر ، عن
قتادة (
من قطران ) قال : هي نحاس ، وبهذه القراءة : أعني بفتح القاف وكسر الطاء ، وتصيير ذلك كله كلمة واحدة ، قرأ ذلك جميع قراء الأمصار ، وبها نقرأ لإجماع الحجة من القراء عليه .
وقد روي عن بعض المتقدمين أنه كان يقرأ ذلك : "من قطر آن" بفتح القاف وتسكين الطاء وتنوين الراء وتصيير آن من نعته ، وتوجيه معنى القطر إلى أنه النحاس ، ومعنى الآن ، إلى أنه الذي قد انتهى حره في الشدة .
وممن كان يقرأ ذلك كذلك فيما ذكر لنا
nindex.php?page=showalam&ids=16584عكرمة مولى ابن عباس ، حدثني بذلك
أحمد بن يوسف ، قال : ثنا
القاسم ، قال : ثنا
هشيم ، قال : أخبرنا
حصين عنه .
ذكر من تأول ذلك على هذه القراءة التأويل الذي ذكرت فيه حدثنا
ابن حميد ، قال : ثنا
يعقوب ، عن
جعفر ، عن
سعيد ، في قوله "سرابيلهم من قطر آن" قال : قطر ، والآن : الذي قد انتهى حره .
حدثنا
الحسن بن محمد ، قال : ثنا
داود بن مهران ، عن
يعقوب ، عن
جعفر ، عن
سعيد بن جبير نحوه .
[ ص: 56 ] حدثني
المثنى ، قال : ثنا
إسحاق ، قال : ثنا
هشام ، قال : ثنا
يعقوب القمي ، عن
جعفر ، عن
سعيد ، بنحوه .
حدثني
المثنى ، قال : ثنا
إسحاق ، قال : ثنا
عبد الرحمن بن أبي حماد ، قال : ثنا
يعقوب القمي ، عن
جعفر ، عن
سعيد بن جبير أنه كان يقرأ "سرابيلهم من قطر آن" .
حدثنا
الحسن بن محمد ، قال : ثنا
عفان ، قال : ثنا
المبارك بن فضالة ، قال : سمعت
الحسن يقول : كانت العرب تقول للشيء إذا انتهى حره : قد أني حر هذا ، قد أوقدت عليه جهنم منذ خلقت فأني حرها .
حدثني
المثنى ، قال : ثنا
إسحاق ، قال : ثنا
عبد الرحمن بن سعيد ، قال : ثنا
أبو جعفر ، عن
الربيع بن أنس في قوله "سرابيلهم من قطر آن" قال : القطر : النحاس ، والآن : يقول : قد أني حره ، وذلك أنه يقول : حميم آن .
حدثنا
الحسن بن محمد ، قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16577عفان بن مسلم ، قال : ثنا
ثابت بن يزيد ، قال : ثنا
هلال بن خباب ، عن
عكرمة ، عن
ابن عباس ، في هذه الآية "سرابيلهم من قطر آن" قال : من نحاس ، قال : آن أني لهم أن يعذبوا به .
حدثني
المثنى ، قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16715عمرو بن عون ، قال : أخبرنا
هشيم ، عن
حصين ، عن
عكرمة ، في قوله " من قطر آن" قال : الآني : الذي قد انتهى حره .
حدثني
المثنى ، قال : ثنا
عبد الله بن صالح ، قال : ثني
معاوية ، عن
علي ، عن
ابن عباس ، قوله : " من قطر آن" قال : هو النحاس المذاب .
حدثنا
الحسن بن محمد ، قال : ثنا
عبد الوهاب بن عطاء ، عن
سعيد ، عن
قتادة " من قطر آن" يعني : الصفر المذاب .
حدثنا
محمد بن عبد الأعلى ، قال : ثنا
محمد بن ثور ، عن
قتادة "سرابيلهم من قطر آن" قال : من نحاس .
حدثني
المثنى ، قال : ثنا
إسحاق ، قال : ثنا
هشام ، قال : ثنا
أبو حفص ، عن
هارون ، عن
قتادة أنه كان يقرأ " من قطر آن" قال : من صفر قد انتهى حره .
وكان الحسن يقرؤها "من قطر آن" .
وقوله : (
وتغشى وجوههم النار ) يقول : وتلفح وجوههم النار فتحرقها
[ ص: 57 ] (
ليجزي الله كل نفس ما كسبت ) يقول : فعل الله ذلك بهم جزاء لهم بما كسبوا من الآثام في الدنيا ، كيما يثيب كل نفس بما كسبت من خير وشر ، فيجزي المحسن بإحسانه ، والمسيء بإساءته (
إن الله سريع الحساب ) يقول : إن الله عالم بعمل كل عامل ، فلا يحتاج في إحصاء أعمالهم إلى عقد كف ولا معاناة ، وهو سريع حسابه لأعمالهم ، قد أحاط بها علما ، لا يعزب عنه منها شيء ، وهو مجازيهم على جميع ذلك صغيره وكبيره .