القول في تأويل قوله تعالى : (
ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين ( 2 ) )
اختلفت القراء في قراءة قوله ( ربما ) فقرأت ذلك عامة قراء
أهل المدينة وبعض
الكوفيين ( ربما ) بتخفيف الباء ، وقرأته عامة قراء
الكوفة والبصرة بتشديدها .
والصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال : إنهما قراءتان مشهورتان ، ولغتان معروفتان بمعنى واحد ، قد قرأ بكل واحدة منهما أئمة من القراء ، فبأيتهما قرأ القارئ فهو مصيب .
[ ص: 60 ] واختلف أهل العربية في معنى "ما" التي مع "رب" ، فقال بعض نحويي
البصرة : أدخل مع رب "ما" ليتكلم بالفعل بعدها ، وإن شئت جعلت "ما" بمنزلة شيء ، فكأنك قلت : رب شيء ، يود : أي رب ود يوده الذين كفروا . وقد أنكر ذلك من قوله بعض نحويي
الكوفة ، وقال : المصدر لا يحتاج إلى عائد ، والود قد وقع على "لو" ، ربما يودون لو كانوا : أن يكونوا ، قال : وإذا أضمر الهاء في "لو" فليس بمفعول ، وهو موضع المفعول ، ولا ينبغي أن يترجم المصدر بشيء ، وقد ترجمه بشيء ، ثم جعله ودا ، ثم أعاد عليه عائدا . فكان
الكسائي والفراء يقولان : لا تكاد العرب توقع "رب" على مستقبل ، وإنما يوقعونها على الماضي من الفعل كقولهم : ربما فعلت كذا ، وربما جاءني أخوك ، قالا وجاء في القرآن مع المستقبل : ربما يود ، وإنما جاز ذلك لأن ما كان في القرآن من وعد ووعيد وما فيه ، فهو حق كأنه عيان ، فجرى الكلام فيما لم يكن بعد مجراه فيما كان ، كما قيل (
ولو ترى إذ المجرمون ناكسو رءوسهم عند ربهم ) وقوله (
ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت ) كأنه ماض وهو منتظر لصدقه في المعنى ، وأنه لا مكذب له ، وأن القائل لا يقول إذا نهى أو أمر فعصاه المأمور يقول : أما والله لرب ندامة لك تذكر قولي فيها لعلمه بأنه سيندم ، والله ووعده أصدق من قول المخلوقين . وقد يجوز أن يصحب بما الدائم وإن كان في لفظ يفعل ، يقال : ربما يموت الرجل فلا يوجد له كفن ، وإن أوليت الأسماء كان معها ضمير كان ، كما قال
أبو داود :
ربما الجامل المؤبل فيهم وعناجيج بينهن المهار
[ ص: 61 ] فتأويل الكلام : ربما يود الذين كفروا بالله فجحدوا وحدانيته لو كانوا في دار الدنيا مسلمين .
كما حدثنا
علي بن سعيد بن مسروق الكندي ، قال : ثنا
خالد بن نافع الأشعري ، عن
سعيد بن أبي بردة ، عن
أبي بردة ، عن
أبي موسى ، قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=812344بلغنا أنه إذا كان يوم القيامة ، واجتمع أهل النار في النار ومعهم من شاء الله من أهل القبلة ، قال الكفار لمن في النار من أهل القبلة : ألستم مسلمين؟ قالوا : بلى ، قالوا : فما أغنى عنكم إسلامكم وقد صرتم معنا في النار؟ قالوا : كانت لنا ذنوب فأخذنا بها ، فسمع الله ما قالوا ، فأمر بكل من كان من أهل القبلة في النار فأخرجوا ، فقال من في النار من الكفار : يا ليتنا كنا مسلمين ، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم ( الر تلك آيات الكتاب وقرآن مبين ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين ) .
حدثنا
الحسن بن محمد ، قال : ثنا
عمرو بن الهيثم أبو قطن القطعي ، وروح القيسي ، nindex.php?page=showalam&ids=16577وعفان بن مسلم واللفظ
لأبي قطن قالوا : ثنا
القاسم بن الفضل بن عبد الله بن أبي جروة ، قال : كان
ابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=9وأنس بن مالك يتأولان هذه الآية (
ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين ) قالا ذلك يوم يجمع الله أهل الخطايا من المسلمين والمشركين في النار . وقال
عفان : حين يحبس أهل الخطايا من المسلمين والمشركين ، فيقول المشركون : ما أغنى عنكم ما كنتم تعبدون ، زاد
أبو قطن : قد جمعنا وإياكم ، وقال
أبو قطن وعفان : فيغضب الله لهم بفضل رحمته ، ولم يقله
روح بن عبادة ، وقالوا جميعا : فيخرجهم الله ، وذلك حين يقول الله (
ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين ) .
حدثنا
الحسن ، قال : ثنا
عفان ، قال : ثنا
أبو عوانة ، قال : ثنا
عطاء بن السائب ، عن
مجاهد ، عن
ابن عباس ، في قوله (
ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين ) قال : يدخل الجنة ويرحم حتى يقول في آخر ذلك : من كان
[ ص: 62 ] مسلما فليدخل الجنة ، قال : فذلك قوله (
ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين ) .
حدثني
المثنى ، قال : ثنا
عبد الله بن صالح ، قال : ثني
معاوية ، عن
علي ، عن
ابن عباس ، في قوله (
ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين ) ذلك يوم القيامة يتمنى الذين كفروا لو كانوا موحدين .
حدثنا
أحمد بن إسحاق ، قال : ثنا
أبو أحمد ، قال : ثنا
سفيان عن
سلمة بن كهيل ، عن
أبي الزعراء ، عن
عبد الله ، في قوله (
ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين ) قال : هذا في الجهنميين إذا رأوهم يخرجون من النار .
حدثني
المثنى ، قال : أخبرنا
مسلم بن إبراهيم ، قال : ثنا
القاسم ، قال : ثنا
ابن أبي فروة العبدي أن
ابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=9وأنس بن مالك كانا يتأولان هذه الآية (
ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين ) يتأولانها يوم يحبس الله أهل الخطايا من المسلمين مع المشركين في النار ، قال : فيقول لهم المشركون : ما أغنى عنكم ما كنتم تعبدون في الدنيا ، قال : فيغضب الله لهم بفضل رحمته ، فيخرجهم ، فذلك حين يقول (
ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين )
حدثنا
ابن حميد ، قال : ثنا
جرير ، عن
عطاء بن السائب ، عن
مجاهد ، عن
ابن عباس ، قال : ما يزال الله يدخل الجنة ، ويرحم ويشفع حتى يقول : من كان من المسلمين فليدخل الجنة ، فذلك قوله (
ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين ) .
حدثني
يعقوب بن إبراهيم ، قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=13382ابن علية ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=17235هشام الدستوائي ، قال : ثنا
حماد ، قال : سألت
إبراهيم عن هذه الآية (
ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين ) قال : حدثت أن المشركين قالوا لمن دخل النار من المسلمين : ما أغنى عنكم ما كنتم تعبدون ، قال : فيغضب الله لهم ، فيقول للملائكة والنبيين : اشفعوا ، فيشفعون ، فيخرجون من النار ، حتى إن إبليس ليتطاول رجاء أن يخرج معهم ، قال : فعند ذلك يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين .
حدثني
المثنى ، قال : ثنا
حجاج ، قال : ثنا
حماد ، عن
إبراهيم ، أنه قال في قول الله عز وجل : (
ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين ) قال : يقول
[ ص: 63 ] من في النار من المشركين للمسلمين : ما أغنت عنكم "لا إله إلا الله" قال : فيغضب الله لهم ، فيقول : من كان مسلما فليخرج من النار ، قال : فعند ذلك (
يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين ) .
حدثنا
الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا
عبد الرزاق ، قال : أخبرنا
معمر ، عن
حماد ، عن
إبراهيم في قوله (
ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين ) قال : إن أهل النار يقولون : كنا أهل شرك وكفر ، فما شأن هؤلاء الموحدين ما أغنى عنهم عبادتهم إياه ، قال : فيخرج من النار من كان فيها من المسلمين . قال : فعند ذلك (
يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين ) .
حدثنا
الحسن بن يحيى ، أخبرنا
عبد الرزاق ، قال : أخبرنا
الثوري ، عن
حماد ، عن
إبراهيم ، عن
خصيف ، عن
مجاهد ، قال : يقول أهل النار للموحدين : ما أغنى عنكم إيمانكم؟ قال : فإذا قالوا ذلك ، قال : أخرجوا من كان في قلبه مثقال ذرة ، فعند ذلك (
يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين ) .
حدثني
المثنى ، قال : ثنا
مسلم ، قال : ثنا
هشام ، عن
حماد ، قال : سألت
إبراهيم عن قول الله عز وجل (
ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين ) قال : الكفار يعيرون أهل التوحيد : ما أغنى عنكم لا إله إلا الله ، فيغضب الله لهم ، فيأمر النبيين والملائكة فيشفعون ، فيخرج أهل التوحيد ، حتى إن إبليس ليتطاول رجاء أن يخرج ، فذلك قوله (
ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين ) .
حدثنا
أحمد ، قال : ثنا
أبو أحمد ، قال : ثنا
عبد السلام ، عن
خصيف ، عن
مجاهد ، قال : هذا في الجهنميين ، إذا رأوهم يخرجون من النار (
يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين ) .
حدثني
المثنى ، قال : ثنا
الحجاج بن المنهال ، قال : ثنا
حماد ، عن
عطاء بن السائب ، عن
مجاهد ، قال : إذا فرغ الله من القضاء بين خلقه ، قال : من كان مسلما فليدخل الجنة ، فعند ذلك (
يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين ) .
حدثني
محمد بن عمرو ، قال : ثنا
أبو عاصم ، قال : ثنا
عيسى ، وحدثني
الحارث ، قال : ثنا
الحسن قال : ثنا
ورقاء ، وحدثني
الحسن ، قال : ثنا
شبابة ، [ ص: 64 ] قال : ثنا
ورقاء ، وحدثني
المثنى ، قال : ثنا
أبو حذيفة ، قال : ثنا
شبل ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد ، قوله (
ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين ) قال : يوم القيامة .
حدثنا
القاسم ، قال : ثنا
الحسين ، قال : ثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
مجاهد ، مثله .
حدثنا
الحسن بن محمد ، قال : ثنا
عبد الوهاب بن عطاء ، عن
جويبر ، عن
الضحاك في قوله (
ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين ) قال : فيها وجهان اثنان ، يقولون : إذا حضر الكافر الموت ود لو كان مسلما . ويقول آخرون : بل يعذب الله ناسا من أهل التوحيد في النار بذنوبهم ، فيعرفهم المشركون فيقولون : ما أغنت عنكم عبادة ربكم ، وقد ألقاكم في النار ، فيغضب لهم فيخرجهم ، فيقول (
ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين ) .
حدثنا
ابن وكيع ، قال : ثنا أبي ، عن
أبي جعفر ، عن
الربيع ، عن
أبي العالية ، في قوله (
ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين ) قال : نزلت في الذين يخرجون من النار .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة ، قوله (
ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين ) وذلك والله يوم القيامة ، ودوا لو كانوا في الدنيا مسلمين .
حدثنا
محمد بن عبد الأعلى ، قال : ثنا
محمد بن ثور ، عن
معمر ، عن
قتادة (
ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين ) .
حدثنا
ابن حميد ، قال : ثنا
جرير ، عن
عطاء ، عن
مجاهد ، عن
ابن عباس ، قال : ما يزال الله يدخل الجنة ويشفع حتى يقول : من كان من المسلمين فليدخل الجنة ، فذلك حين يقول (
ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين ) .