القول في تأويل
قوله تعالى : ( فوربك لنسألنهم أجمعين ( 92 )
عما كانوا يعملون ( 93 )
فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين ( 94 ) )
يقول تعالى ذكره لنبيه
محمد صلى الله عليه وسلم : فوربك يا
محمد لنسألن هؤلاء الذين جعلوا القرآن في الدنيا عضين في الآخرة عما كانوا يعملون في الدنيا ، فيما أمرناهم به ، وفيما بعثناك به إليهم من آي كتابي الذي أنزلته إليهم ، وفيما دعوناهم إليه من الإقرار به ومن توحيدي والبراءة من الأنداد والأوثان .
.
وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل .
[ ص: 150 ] ذكر من قال ذلك :
حدثنا
أبو كريب وأبو السائب ، قالا ثنا
ابن إدريس ، قال : سمعت
ليثا ، عن
بشير ، عن
أنس ، في قوله (
فوربك لنسألنهم أجمعين ) قال : عن شهادة أن لا إله إلا الله .
حدثنا
أحمد بن إسحاق ، قال : ثنا
أبو أحمد ، قال : ثنا
شريك ، عن
ليث ، عن
بشير بن نهيك ، عن
أنس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : (
فوربك لنسألنهم أجمعين ) قال : "عن لا إله إلا الله" .
حدثنا
ابن حميد ، قال : ثنا
جرير ، عن
ليث ، عن
بشير ، عن
أنس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه .
حدثنا
الحسن بن يحيى . قال : أخبرنا
عبد الرزاق ، قال : أخبرنا
الثوري ، عن
ليث ، عن
مجاهد ، في قوله (
فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون ) قال : عن لا إله إلا الله .
حدثنا
أحمد ، قال : ثنا
أبو أحمد ، قال : ثنا
شريك ، عن
هلال ، عن
عبد الله بن عكيم ، قال : قال
عبد الله : والذي لا إله غيره ، ما منكم أحد إلا سيخلو الله به يوم القيامة كما يخلو أحدكم بالقمر ليلة البدر ، فيقول : ابن آدم ، ماذا غرك مني بي ابن آدم؟ ماذا عملت فيما علمت ابن آدم؟ ماذا أجبت المرسلين؟
حدثنا
القاسم ، قال : ثنا
الحسين ، قال : ثني
حجاج ، عن
أبي جعفر ، عن
الربيع ، عن
أبي العالية : (
فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون ) قال : يسأل العباد كلهم عن خلتين يوم القيامة : عما كانوا يعبدون ، وعما أجابوا المرسلين .
حدثنا
المثنى ، قال : ثنا
إسحاق ، قال : ثنا
الحسين الجعفي ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16796فضيل بن مرزوق ، عن
عطية العوفي ، عن
ابن عمر : (
لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون ) قال : عن لا إله إلا الله .
حدثني
المثنى ، قال : ثنا
عبد الله ، قال : ثني
معاوية ، عن
علي ، عن
ابن عباس قوله (
فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون ) . ثم قال : (
فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان ) قال : لا يسألهم هل عملتم كذا وكذا؟ لأنه أعلم بذلك منهم ، ولكن يقول لهم : لم عملتم كذا وكذا؟
[ ص: 151 ] حدثنا
ابن وكيع ، قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17416يونس بن بكير ، عن
محمد بن إسحاق ، عن
محمد بن أبي محمد ، مولى
nindex.php?page=showalam&ids=47زيد بن ثابت ، عن
سعيد بن جبير أو
عكرمة ، عن
ابن عباس ، قال : أنزل الله تعالى ذكره :
( فاصدع بما تؤمر ) فإنه أمر من الله تعالى ذكره نبيه صلى الله عليه وسلم بتبليغ رسالته قومه ، وجميع من أرسل إليه ، ويعني بقوله (
فاصدع بما تؤمر ) : فامض وافرق ، كما قال أبو ذؤيب :
وكأنهن ربابة وكأنه يسر يفيض على القداح ويصدع يعني بقوله : يصدع : يفرق بالقداح .
وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
المثنى ، قال : ثنا
أبو صالح ، قال : ثني
معاوية ، عن
علي ، عن
ابن عباس ، قوله (
فاصدع بما تؤمر ) يقول : فأمضه .
حدثني
محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس ، قوله (
فاصدع بما تؤمر ) يقول : افعل ما تؤمر .
حدثني
الحسين بن يزيد الطحان ، قال : ثنا
ابن إدريس ، عن
ليث ، عن
مجاهد ، في قوله (
فاصدع بما تؤمر ) قال : بالقرآن .
حدثني
نصر بن عبد الرحمن الأودي ، قال : ثنا
يحيى بن إبراهيم ، عن
سفيان ، عن
ليث ، عن
مجاهد (
فاصدع بما تؤمر ) قال : هو القرآن .
حدثني
أبو السائب ، قال : ثنا
ابن فضيل ، عن
ليث ، عن
مجاهد ، في قوله (
فاصدع بما تؤمر ) قال : بالقرآن .
حدثني
أبو السائب ، قال : ثنا
ابن فضيل ، عن
ليث ، عن
مجاهد ، في قوله (
فاصدع بما تؤمر ) قال :
الجهر بالقرآن في الصلاة .
[ ص: 152 ] حدثنا
أحمد ، قال : ثنا
أحمد ، قال : ثنا
شريك ، عن
ليث ، عن
مجاهد (
فاصدع بما تؤمر ) قال : بالقرآن في الصلاة .
حدثني
محمد بن عمرو ، قال : ثنا
أبو عاصم ، قال : ثنا
عيسى ، وحدثني
الحارث ، قال : ثنا
الحسن ، قال : ثنا
ورقاء ، وحدثني
المثنى ، قال : ثنا
أبو حذيفة ، قال : ثنا
شبل جميعا ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد (
فاصدع بما تؤمر ) قال : اجهر بالقرآن في الصلاة .
حدثني
المثنى ، قال : ثنا
إسحاق ، قال : ثنا
أبو أسامة ، قال : ثنا
موسى بن عبيدة ، عن أخيه
عبد الله بن عبيدة قال : مازال النبي مستخفيا حتى نزلت (
فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين ) فخرج هو وأصحابه .
حدثني
يونس ، قال : أخبرنا
ابن وهب ، قال : قال
ابن زيد ، في قوله (
فاصدع بما تؤمر ) قال : بالقرآن الذي يوحى إليه أن يبلغهم إياه ، وقال تعالى ذكره : (
فاصدع بما تؤمر ) ولم يقل : بما تؤمر به ، والأمر يقتضي الباء ، لأن معنى الكلام : فاصدع بأمرنا ، فقد أمرناك أن تدعو إلى ما بعثناك به من الدين خلقي وأذنا لك في إظهاره .
ومعنى "ما" التي في قوله (
بما تؤمر ) معنى المصدر ، كما قال تعالى ذكره (
يا أبت افعل ما تؤمر ) معناه : افعل الأمر الذي تؤمر به ، وكان بعض نحويي
أهل الكوفة يقول في ذلك : حذفت الباء التي يوصل بها تؤمر من قوله (
فاصدع بما تؤمر ) على لغة الذين يقولون : أمرتك أمرا ، وكان يقول : للعرب في ذلك لغتان : إحداهما أمرتك أمرا ، والأخرى أمرتك بأمر ، فكان يقول : إدخال الباء في ذلك وإسقاطها سواء . واستشهد لقوله ذلك بقول
حصين بن المنذر الرقاشي ليزيد بن المهلب :
أمرتك أمرا جازما فعصيتني فأصبحت مسلوب الإمارة نادما فقال أمرتك أمرا ، ولم يقل : أمرتك بأمر ، وذلك كما قال تعالى ذكره : (
ألا إن عادا كفروا ربهم ) ولم يقل : بربهم ، وكما قالوا : مددت الزمام ، ومددت بالزمام ، وما أشبه ذلك من الكلام .
[ ص: 153 ] وأما قوله (
وأعرض عن المشركين ) ويقول تعالى ذكره لنبيه صلى الله عليه وسلم : بلغ قومك ما أرسلت به ، واكفف عن حرب المشركين بالله وقتالهم . وذلك قبل أن يفرض عليه جهادهم ، ثم نسخ ذلك بقوله (
فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ) .
كما حدثنا
محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس ، قوله (
وأعرض عن المشركين ) وهو من المنسوخ .
حدثني
المثنى ، قال : ثنا
سويد ، قال : أخبرنا
ابن المبارك ، عن
جويبر ، عن
الضحاك ، في قوله (
وأعرض عن المشركين ) و (
قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله ) وهذا النحو كله في القرآن أمر الله تعالى ذكره نبيه صلى الله عليه وسلم أن يكون ذلك منه ، ثم أمره بالقتال ، فنسخ ذلك كله ، فقال : ( خذوهم واقتلوهم ) . . . الآية .