القول في تأويل
قوله تعالى : ( إنا كفيناك المستهزئين ( 95 )
الذين يجعلون مع الله إلها آخر فسوف يعلمون ( 96 ) )
يقول تعالى ذكره لنبيه
محمد صلى الله عليه وسلم : إنا كفيناك المستهزئين يا
محمد ، الذين يستهزئون بك ويسخرون منك ، فاصدع بأمر الله ، ولا تخف شيئا سوى الله ، فإن الله كافيك من ناصبك وآذاك كما كفاك المستهزئين . وكان رؤساء المستهزئين قوما من
قريش معروفين .
ذكر أسمائهم حدثنا
ابن حميد ، قال : ثنا
سلمة ، قال : ثني
محمد ، قال : كان عظماء المستهزئين كما حدثني
يزيد بن رومان عن
عروة بن الزبير خمسة نفر من قومه ، وكانوا ذوي أسنان وشرف في قومهم ، من
بني أسد بن عبد العزى بن قصي :
الأسود بن المطلب أبو زمعة ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغني قد دعا عليه لما كان يبلغه من أذاه واستهزائه ، فقال : اللهم أعم بصره ، وأثكله ولده ، ومن
بني زهرة :
الأسود بن عبد يغوث بن وهب بن [ ص: 154 ] عبد مناف بن زهرة ، ومن
بني مخزوم :
الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن مخزوم ، ومن
بني سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي :
العاص بن وائل بن هشام بن سعيد بن سعد بن سهم ، ومن
خزاعة :
الحارث بن الطلاطلة بن عمرو بن الحارث بن عمرو بن ملكان ، فلما تمادوا في الشر وأكثروا برسول الله صلى الله عليه وسلم الاستهزاء ، أنزل الله تعالى ذكره (
فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين إنا كفيناك المستهزئين ) . . . إلى قوله (
فسوف يعلمون ) قال
محمد بن إسحاق : فحدثني
يزيد بن رومان ، عن
عروة بن الزبير أو غيره من العلماء ،
أن جبرئيل أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يطوفون بالبيت فقام ، وقام رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جنبه ، فمر به الأسود بن المطلب ، فرمى في وجهه بورقة خضراء ، فعمي ، ومر به الأسود بن عبد يغوث ، فأشار إلى بطنه فاستسقى بطنه ، فمات منه حبنا ، ومر به الوليد بن المغيرة ، فأشار إلى أثر جرح بأسفل كعب رجله كان أصابه قبل ذلك بسنتين ، وهو يجر سبله ، يعني إزاره ، وذلك أنه مر برجل من خزاعة يريش نبلا له ، فتعلق سهم من نبله بإزاره فخدش رجله ذلك الخدش وليس بشيء ، فانتقض به فقتله ، ومر به العاص بن وائل السهمي ، فأشار إلى أخمص رجله ، فخرج على حمار له يريد الطائف ، فوقص على شبرقة ، فدخل في أخمص رجله منها شوكة ، فقتلته .
قال أبو جعفر : الشبرقة : المعروف بالحسك ، منه حبنا والحبن : الماء الأصفر ، ومر به الحارث بن الطلاطلة ، فأشار إلى رأسه ، فامتخط قيحا فقتله .
حدثنا
ابن حميد ، قال : ثنا
سلمة ، عن
ابن إسحاق ، عن
محمد بن أبي محمد القرشي ، عن رجل ، عن
ابن عباس ، قال : كان رأسهم
الوليد بن المغيرة ، وهو الذي جمعهم .
[ ص: 155 ] حدثنا
ابن حميد ، قال : ثنا
جرير ، عن
مغيرة ، عن
زياد ، عن
سعيد بن جبير ، في
قوله ( إنا كفيناك المستهزئين ) قال : كان المستهزئين : الوليد بن المغيرة ، والعاص بن وائل ، وأبو زمعة والأسود بن عبد يغوث ، والحارث بن عيطلة . فأتاه جبرئيل ، فأومأ بأصبعه إلى رأس الوليد ، فقال : ما صنعت شيئا ، قال : كفيت ، وأومأ بيده إلى أخمص العاص ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ما صنعت شيئا ، فقال : كفيت ، وأومأ بيده إلى عين أبي زمعة ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ما صنعت شيئا ، قال : كفيت . وأومأ بأصبعه إلى رأس الأسود ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : دع لي خالي . فقال : كفيت ، وأومأ بأصبعه إلى بطن الحارث ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ما صنعت شيئا ، فقال كفيت . قال : فمر الوليد على قين لخزاعة وهو يجر ثيابه ، فتعلقت بثوبه بروة أو شررة وبين يديه نساء ، فجعل يستحي أن يطأ من أن ينتزعها ، وجعلت تضرب ساقه فخدشته ، فلم يزل مريضا حتى مات ، وركب العاص بن وائل بغلة له بيضاء إلى حاجة له بأسفل مكة ، فذهب ينزل ، فوضع أخمص قدمه على شبرقة ، فحكت رجله ، فلم يزل يحكها حتى مات ، وعمي أبو زمعة ، وأخذت الأكلة في رأس الأسود ، وأخذ الحارث الماء في بطنه .
حدثني
يعقوب ، قال : ثنا
هشيم ، عن
أبي بشر ، عن
سعيد بن جبير ، في قوله (
إنا كفيناك المستهزئين ) قال : هم خمسة رهط من
قريش :
الوليد بن المغيرة ، والعاص بن وائل ، وأبو زمعة ، والحارث بن عيطلة ، والأسود بن قيس .
حدثني
المثنى ، قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16715عمرو بن عون ، قال : أخبرنا
هشيم ، عن
أبي بشر ، عن
سعيد بن جبير ، في قوله (
إنا كفيناك المستهزئين ) قال :
الوليد بن المغيرة ، والعاص بن وائل السهمي ، والأسود بن عبد يغوث ، والأسود بن المطلب ، والحارث بن عيطلة .
[ ص: 156 ] حدثنا
الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا
عبد الرزاق ، قال : أخبرنا
ابن عيينة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16666عمرو بن دينار ، عن
عكرمة ، في قوله (
إنا كفيناك المستهزئين ) قال : هم خمسة كلهم هلك قبل
بدر :
العاص بن وائل ، والوليد بن المغيرة ، وأبو زمعة بن عبد الأسود ، والحارث بن قيس ، والأسود بن عبد يغوث .
حدثنا
ابن وكيع ، قال : ثنا
ابن عيينة عن
عمرو ، عن
عكرمة : (
إنا كفيناك المستهزئين ) قال :
الوليد بن المغيرة ، والعاص بن وائل ، والأسود بن عبد يغوث ، والحارث بن عيطلة .
حدثنا
المثنى ، قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16715عمرو بن عون ، قال : أخبرنا
هشيم ، عن
أبي بكر الهذلي ، قال : قلت
للزهري : إن
سعيد بن جبير وعكرمة اختلفا في رجل من المستهزئين ، فقال
سعيد : هو
الحارث بن عيطلة ، وقال
عكرمة : هو
الحارث بن قيس؟ فقال : صدقا ، كانت أمه تسمى
عيطلة وأبوه
قيس .
حدثني
المثنى ، قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16715عمرو بن عون ، قال : أخبرنا
هشيم ، عن
حصين ، عن
الشعبي ، قال : المستهزئين سبعة ، وسمى منهم أربعة .
حدثنا
ابن وكيع ، قال : ثنا أبي ، عن
إسرائيل ، عن
جابر ، عن
عامر : (
إنا كفيناك المستهزئين ) قال : كانوا من
قريش خمسة نفر :
العاص بن وائل السهمي ، كفي بصداع أخذه في رأسه ، فسال دماغه حتى كان يتكلم من أنفه ،
والوليد بن المغيرة المخزومي ، كفي برجل من
خزاعة أصلح سهما له ، فندرت منه شظية ، فوطئ عليها فمات ،
وهبار بن الأسود ، وعبد يغوث بن وهب ، والحارث بن عيطلة .
حدثنا
أحمد بن إسحاق ، قال : ثنا
أبو أحمد ، قال : ثنا
إسرائيل ، عن
جابر ، عن
عامر : (
إنا كفيناك المستهزئين ) قال : كلهم من
قريش :
العاص بن وائل ، فكفي بأنه أصابه صداع في رأسه ، فسال دماغه حتى لا يتكلم إلا من تحت أنفه ،
والحارث بن عيطلة بصفر في بطنه ،
وابن الأسود فكفي بالجدري ،
والوليد بأن رجلا ذهب ليصلح سهما له ، فوقعت شظية فوطئ عليها ،
وعبد يغوث فكفي بالعمى ، ذهب بصره .
[ ص: 157 ] حدثنا
محمد بن عبد الأعلى ، قال : ثنا
محمد بن ثور ، عن
معمر ، عن
قتادة ، وعن مقسم ( إنا كفيناك المستهزئين ) قال : هم الوليد بن المغيرة ، والعاص بن وائل ، وعدي بن قيس ، والأسود بن عبد يغوث ، والأسود بن المطلب ، مروا رجلا رجلا على النبي صلى الله عليه وسلم ومعه جبرئيل ، فإذا مر به رجل منهم قال جبرئيل : كيف تجد هذا؟ فيقول : بئس عدو الله ، فيقول جبرئيل : كفاكه ، فأما الوليد بن المغيرة ، فتردى ، فتعلق سهم بردائه ، فذهب يجلس فقطع أكحله فنزف فمات ، وأما الأسود بن عبد يغوث ، فأتي بغصن فيه شوك ، فضرب به وجهه ، فسالت حدقتاه على وجهه ، فكان يقول : دعوت على محمد دعوة ، ودعا علي دعوة ، فاستجيب لي ، واستجيب له ، دعا علي أن أعمى فعميت : ودعوت عليه أن يكون وحيدا فريدا في أهل يثرب فكان كذلك ، وأما العاص بن وائل ، فوطئ على شوكة فتساقط لحمه عن عظامه حتى هلك ، وأما الأسود بن المطلب وعدي بن قيس ، فإن أحدهما قام من الليل وهو ظمآن ، فشرب ماء من جرة ، فلم يزل يشرب حتى انفتق بطنه فمات ، وأما الآخر فلدغته حية فمات .
حدثنا
الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا
عبد الرزاق ، قال : أخبرنا
معمر . عن
قتادة وعثمان ، عن
مقسم مولى
ابن عباس ، في قوله (
إنا كفيناك المستهزئين ) ثم ذكر نحو حديث
ابن عبد الأعلى ، عن
ابن ثور .
حدثنا
بشر ، قال : ثنا
يزيد ، قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة :
( كما أنزلنا على المقتسمين الذين جعلوا القرآن عضين ) هم رهط خمسة من قريش عضهوا القرآن ، زعم بعضهم أنه سحر وزعم بعضهم أنه شعر وزعم بعضهم أنه أساطير الأولين : أما أحدهم : فالأسود بن عبد يغوث ، أتى على نبي الله صلى الله عليه وسلم وهو عند البيت ، فقال له الملك : كيف تجد هذا؟ قال : بئس عبد الله على أنه خالي ، قال : كفيناك ، ثم أتى عليه الوليد بن المغيرة ، فقال له الملك : كيف تجد هذا؟ قال : بئس عبد الله ، قال : كفيناك ، ثم أتى عليه عدي بن قيس أخو بني سهم ، فقال الملك : كيف تجد هذا؟ قال : بئس عبد الله ، قال : كفيناك ، ثم أتى عليه الأسود بن المطلب ، فقال له الملك : كيف تجد هذا؟ قال : بئس عبد الله ، قال : كفيناك ، ثم أتى عليه العاص بن وائل ، فقال له الملك : كيف تجد هذا؟ قال : بئس عبد [ ص: 158 ] الله ، قال : كفيناك ، فأما الأسود بن عبد يغوث ، فأتي بغصن من شوك فضرب به وجهه حتى سالت حدقتاه على وجهه ، فكان بعد ذلك يقول : دعا علي محمد بدعوة ودعوت عليه بأخرى ، فاستجاب الله له في واستجاب الله لي فيه ، دعا علي أن أثكل وأن أعمى ، فكان كذلك ، ودعوت عليه أن يصير شريدا طريدا ، فطردناه مع يهود يثرب وسراق الحجيج ، وكان كذلك ، وأما الوليد بن المغيرة ، فذهب يرتدي ، فتعلق بردائه سهم غرب فأصاب أكحله أو أبجله ، فأتي في كل ذلك ، فمات ، وأما العاص بن وائل ، فوطئ على شوكة ، فأتي في ذلك ، جعل يتساقط لحمه عضوا عضوا فمات وهو كذلك ، وأما الأسود بن المطلب وعدي بن قيس ، فلا أدري ما أصابهما .
ذكر لنا
أن نبي الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر ، نهى أصحابه عن قتل أبي البختري ، وقال : خذوه أخذا ، فإنه قد كان له بلاء ، فقال له أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : يا أبا البختري إنا قد نهينا عن قتلك فهلم إلى الأمنة والأمان ، فقال أبو البختري : وابن أخي معي؟ فقالوا : لم نؤمر إلا بك ، فراودوه ثلاث مرات ، فأبى إلا وابن أخيه معه ، قال : فأغلظ للنبي صلى الله عليه وسلم الكلام ، فحمل عليه رجل من القوم فطعنه فقتله ، فجاء قاتله وكأنما على ظهره جبل أوثقه مخافة أن يلومه النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما أخبر بقوله : قال النبي صلى الله عليه وسلم : أبعده الله وأسحقه ، وهم المستهزئون الذين قال الله ( إنا كفيناك المستهزئين ) وهم الخمسة الذين قيل فيهم ( إنا كفيناك المستهزئين ) استهزءوا بكتاب الله ، ونبيه صلى الله عليه وسلم .
حدثني
المثنى ، قال : ثنا
أبو حذيفة ، قال : ثنا
شبل ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد (
إنا كفيناك المستهزئين ) هم من
قريش .
حدثني
المثنى ، قال : ثنا
أبو حذيفة ، قال : ثنا
شبل ، وزعم
ابن أبي بزة أنهم
العاص بن وائل السهمي والوليد بن المغيرة الوحيد ، والحارث بن عدي بن سهم بن العيطلة ، والأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى بن قصي ، وهو
أبو زمعة ، والأسود بن عبد يغوث وهو ابن خال رسول الله صلى الله عليه وسلم .
[ ص: 159 ] حدثني
القاسم ، قال : ثنا
الحسين ، قال : ثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، قال : أخبرني
nindex.php?page=showalam&ids=16666عمرو بن دينار ، عن
ابن عباس ، نحو حديث
محمد بن عبد الأعلى ، عن
محمد بن ثور ، غير أنه قال : كانوا ثمانية ، ثم عدهم وقال : كلهم مات قبل
بدر .
وقوله : (
الذين يجعلون مع الله إلها آخر فسوف يعلمون ) وعيد من الله تعالى ذكره ، وتهديد للمستهزئين الذين أخبر نبيه صلى الله عليه وسلم أنه قد كفاه أمرهم بقوله تعالى ذكره : إنا كفيناك يا
محمد الساخرين منك ، الجاعلين مع الله شريكا في عبادته ، فسوف يعلمون ما يلقون من عذاب الله عند مصيرهم إليه في القيامة ، وما يحل بهم من البلاء .