[ ص: 183 ] القول في تأويل قوله تعالى : (
وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم وأنهارا وسبلا لعلكم تهتدون ( 15 ) )
يقول تعالى ذكره : ومن نعمه عليكم أيها الناس أيضا ، أن ألقى في الأرض رواسي ، وهي جمع راسية ، وهي الثوابت في الأرض من الجبال . وقوله : (
أن تميد بكم ) يعني : أن لا تميد بكم ، وذلك كقوله (
يبين الله لكم أن تضلوا ) والمعنى : أن لا تضلوا . وذلك أنه جل ثناؤه أرسى الأرض بالجبال لئلا يميد خلقه الذي على ظهرها ، بل وقد كانت مائدة قبل أن ترسى بها .
كما حدثنا
بشر ، قال : ثنا
يزيد ، قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة ، عن
الحسن ، عن
قيس بن عباد : أن الله تبارك وتعالى لما خلق الأرض جعلت تمور ، قالت الملائكة . ما هذه بمقرة على ظهرها أحدا ، فأصبحت صبحا وفيها رواسيها .
حدثني
المثنى ، قال : ثنا
الحجاج بن المنهال ، قال : ثنا
حماد ، عن
عطاء بن السائب ، عن
عبد الله بن حبيب ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب ، قال : لما خلق الله الأرض قمصت ، وقالت : أي رب أتجعل علي بني
آدم يعملون علي الخطايا ويجعلون علي الخبث ، قال : فأرسى الله عليها من الجبال ما ترون وما لا ترون ، فكان قرارها كاللحم يترجرج ، والميد : هو الاضطراب والتكفؤ ، يقال : مادت السفينة تميد ميدا : إذا تكفأت بأهلها ومالت ، ومنه الميد الذي يعتري راكب البحر ، وهو الدوار .
وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
المثنى ، قال : ثنا
أبو حذيفة ، قال : ثنا
شبل ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد (
أن تميد بكم ) : أن تكفأ بكم .
حدثنا
القاسم ، قال : ثنا
الحسين . قال : ثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
مجاهد ، مثله .
حدثنا
الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا
عبد الرزاق ، قال : أخبرنا
معمر ، عن
قتادة ، عن
الحسن ، في قوله (
وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم ) قال : الجبال أن تميد بكم . قال
قتادة : سمعت
الحسن يقول : لما خلقت الأرض كادت
[ ص: 184 ] تميد ، فقالوا : ما هذه بمقرة على ظهرها أحدا ، فأصبحوا وقد خلقت الجبال ، فلم تدر الملائكة مم خلقت الجبال .
وقوله : ( وأنهارا ) يقول : وجعل فيها أنهارا ، فعطف بالأنهار على الرواسي ، وأعمل فيها ما أعمل في الرواسي ، إذ كان مفهوما معنى الكلام والمراد منه ، وذلك نظير قول الراجز :
تسمع في أجوافهن صورا وفي اليدين حشة وبورا
والحشة : اليبس ، فعطف بالحشة على الصوت ، والحشة لا تسمع ، إذ كان مفهوما المراد منه وأن معناه وترى في اليدين حشة .
وقوله : ( وسبلا ) وهي جمع سبيل ، كما الطرق : جمع طريق ، ومعنى الكلام : وجعل لكم أيها الناس في الأرض سبلا وفجاجا تسلكونها ، وتسيرون فيها في حوائجكم ، وطلب معايشكم رحمة بكم ، ونعمة منه بذلك عليكم ولو عماها عليكم لهلكتم ضلالا وحيرة .
وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
بشر ، قال : ثنا
يزيد ، قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة ، قوله ( سبلا ) أي طرقا .
حدثنا
محمد بن عبد الأعلى ، قال : ثنا
محمد بن ثور ، عن
معمر ، عن
قتادة ( سبلا ) قال : طرقا .
وقوله : ( لعلكم تهتدون ) يقول : لكي تهتدوا بهذه السبل التي جعلها لكم في الأرض إلى الأماكن التي تقصدون والمواضع التي تريدون ، فلا تضلوا وتتحيروا .