القول في
تأويل قوله تعالى : ( أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون ( 17 )
وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الله لغفور رحيم ( 18 ) )
يقول تعالى ذكره لعبدة الأوثان والأصنام : أفمن يخلق هذه الخلائق العجيبة التي عددناها عليكم وينعم عليكم هذه النعم العظيمة ، كمن لا يخلق شيئا ولا ينعم عليكم نعمة صغيرة ولا كبيرة؟ يقول : أتشركون هذا في عبادة هذا؟ يعرفهم بذلك عظم جهلهم ، وسوء نظرهم لأنفسهم ، وقلة شكرهم لمن أنعم عليهم بالنعم التي عددها عليهم ، التي لا يحصيها أحد غيره ، قال لهم جل ثناؤه
[ ص: 187 ] موبخهم (
أفلا تذكرون ) أيها الناس يقول : أفلا تذكرون نعم الله عليكم ، وعظيم سلطانه وقدرته على ما شاء ، وعجز أوثانكم وضعفها ومهانتها ، وأنها لا تجلب إلى نفسها نفعا ولا تدفع عنها ضرا ، فتعرفوا بذلك خطأ ما أنتم عليه مقيمون من عبادتكموها وإقراركم لها بالألوهة؟
كما حدثنا
بشر ، قال : ثنا
يزيد ، قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة ، قوله (
أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون ) والله هو الخالق الرازق ، وهذه الأوثان التي تعبد من دون الله تخلق ولا تخلق شيئا ، ولا تملك لأهلها ضرا ولا نفعا ، قال الله (
أفلا تذكرون ) . وقيل (
كمن لا يخلق ) هو الوثن والصنم ، و"من" لذوي التمييز خاصة ، فجعل في هذا الموضع لغيرهم للتمييز ، إذ وقع تفصيلا بين من يخلق ومن لا يخلق ، ومحكي عن العرب : اشتبه علي الراكب وجمله ، فما أدرى من ذا ومن ذا ، حيث جمعا ، وأحدهما إنسان حسنت من فيهما جميعا . ومنه قول الله عز وجل (
فمنهم من يمشي على بطنه ومنهم من يمشي على رجلين ومنهم من يمشي على أربع ) وقوله : (
وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها ) لا تطيقوا أداء شكرها ، (
إن الله لغفور رحيم ) يقول جل ثناؤه : إن الله لغفور لما كان منكم من تقصير في شكر بعض ذلك إذا تبتم وأنبتم إلى طاعته واتباع مرضاته ، رحيم بكم أن يعذبكم عليه بعد الإنابة إليه والتوبة .