القول في
تأويل قوله تعالى : ( إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون ( 40 )
والذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا لنبوئنهم في الدنيا حسنة ولأجر الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون ( 41 ) )
يقول تعالى ذكره : إنا إذا أردنا أن نبعث من يموت فلا تعب علينا ولا نصب في إحيائناهم ، ولا في غير ذلك مما نخلق ونكون ونحدث ، لأنا إذا أردنا
[ ص: 205 ] خلقه وإنشاءه ، فإنما نقول له كن فيكون ، لا معاناة فيه ، ولا كلفة علينا .
واختلفت القراء في قراءة قوله : يكون ، فقرأه أكثر قراء
الحجاز والعراق على الابتداء ، وعلى أن قوله (
إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن ) كلام تام مكتف بنفسه عما بعده ، ثم يبتدأ فيقال : فيكون ، كما قال الشاعر :
يريد أن يعربه فيعجمه
وقرأ ذلك بعض قراء أهل
الشام وبعض المتأخرين من قراء الكوفيين ( فيكون ) نصبا ، عطفا على قوله (
أن نقول له ) وكأن معنى الكلام على مذهبهم : ما قولنا لشيء إذا أردناه إلا أن نقول له : كن ، فيكون . وقد حكي عن العرب سماعا : أريد أن آتيك فيمنعني المطر ، عطفا بيمنعني على آتيك .
وقوله : (
والذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا لنبوئنهم في الدنيا حسنة ) يقول تعالى ذكره : والذين فارقوا قومهم ودورهم وأوطانهم عداوة لهم في الله على كفرهم إلى آخرين غيرهم (
من بعد ما ظلموا ) يقول : من بعد ما نيل منهم في أنفسهم بالمكاره في ذات الله (
لنبوئنهم في الدنيا حسنة ) يقول : لنسكننهم في الدنيا مسكنا يرضونه صالحا .
وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
بشر ، قال : ثنا
يزيد ، قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة ، قوله (
والذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا لنبوئنهم ) قال : هؤلاء أصحاب
محمد ظلمهم أهل
مكة ، فأخرجوهم من ديارهم حتى لحق طوائف
[ ص: 206 ] منهم بالحبشة ، ثم بوأهم الله
المدينة بعد ذلك فجعلها لهم دار هجرة ، وجعل لهم أنصارا من المؤمنين .
حدثت عن
nindex.php?page=showalam&ids=12074القاسم بن سلام ، قال : ثنا
هشيم ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15854داود بن أبي هند ، عن
الشعبي (
لنبوئنهم في الدنيا حسنة ) قال :
المدينة .
حدثني
محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس ، قوله (
والذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا لنبوئنهم في الدنيا حسنة ) قال : هم قوم هاجروا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل
مكة بعد ظلمهم ، وظلمهم المشركون .
وقال آخرون : عنى بقوله (
لنبوئنهم في الدنيا حسنة ) لنرزقهم في الدنيا رزقا حسنا .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
محمد بن عمرو ، قال : ثنا
أبو عاصم ، قال : ثنا
عيسى ، وحدثني
الحارث ، قال : ثنا
الحسن ، قال : ثنا
ورقاء ، وحدثني
المثنى ، قال : أخبرنا
أبو حذيفة ، قال : ثنا
شبل ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد ( لنبوئنهم ) لنرزقنهم في الدنيا رزقا حسنا .
حدثنا
القاسم ، قال : ثنا
الحسين ، قال : ثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
مجاهد ، مثله .
حدثني
الحارث ، قال : ثنا
القاسم ، قال : ثنا
هشيم ، عن
العوام ، عمن حدثه أن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب كان إذا أعطى الرجل من المهاجرين عطاءه يقول : خذ بارك الله لك فيه ، هذا ما وعدك الله في الدنيا ، وما ذخره لك في الآخرة أفضل . ثم تلا هذه الآية (
لنبوئنهم في الدنيا حسنة ولأجر الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون )
وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال : معنى ( لنبوئنهم ) : لنحلنهم ولنسكننهم ، لأن التبوء في كلام العرب الحلول بالمكان والنزول به ، ومنه قول الله تعالى (
ولقد بوأنا بني إسرائيل مبوأ صدق ) وقيل : إن هذه الآية نزلت في
أبي جندل بن سهيل .
[ ص: 207 ] ذكر من قال ذلك :
حدثني
المثنى ، قال : أخبرنا
إسحاق ، قال : ثنا
عبد الرزاق ، قال : ثنا
جعفر بن سليمان ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15854داود بن أبي هند ، قال : نزلت (
والذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا ) . . . إلى قوله (
وعلى ربهم يتوكلون ) في
أبي جندل بن سهيل .
وقوله : (
ولأجر الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون ) يقول : ولثواب الله إياهم على هجرتهم فيه في الآخرة أكبر ، لأن ثوابه إياهم هنالك الجنة التي يدوم نعيمها ولا يبيد .
وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
بشر ، قال : ثنا
يزيد ، قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة ، قال : قال الله (
ولأجر الآخرة أكبر ) إي والله لما يثيبهم الله عليه من جنته أكبر (
لو كانوا يعلمون ) .