القول في تأويل قوله تعالى : (
ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي سبل ربك ذللا يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون ( 69 ) )
يقول تعالى ذكره : ثم كلي أيتها النحل من الثمرات ، (
فاسلكي سبل ربك ) يقول : فاسلكي طرق ربك ( ذللا ) يقول : مذللة لك ، والذلل : جمع ذلول .
وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
محمد بن عمرو ، قال : ثنا
أبو عاصم ، قال :
[ ص: 249 ] ثنا
عيسى وحدثني
الحارث ، قال : ثنا
الحسن ، قال : ثنا
ورقاء وحدثني
المثنى ، قال : ثنا
أبو حذيفة ، عن
ورقاء ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد ، في قول الله تعالى (
فاسلكي سبل ربك ذللا ) قال : لا يتوعر عليها مكان سلكته .
حدثنا
القاسم ، قال : ثنا
الحسين ، قال : ثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
مجاهد (
فاسلكي سبل ربك ذللا ) قال : طرقا ذللا قال : لا يتوعر عليها مكان سلكته . وعلى هذا التأويل الذي تأوله
مجاهد ، الذلل من نعت السبل .
والتأويل على قوله (
فاسلكي سبل ربك ذللا ) الذلل لك : لا يتوعر عليك سبيل سلكتيه ، ثم أسقطت الألف واللام فنصب على الحال .
وقال آخرون في ذلك بما حدثنا
بشر ، قال : ثنا
يزيد ، قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة ، قوله (
فاسلكي سبل ربك ذللا ) : أي مطيعة .
حدثنا
محمد بن عبد الأعلى ، قال : ثنا
محمد بن ثور ، عن
معمر ، عن
قتادة ( ذللا ) قال : مطيعة .
حدثني
يونس ، قال : أخبرنا
ابن وهب ، قال : قال
ابن زيد ، في قوله (
فاسلكي سبل ربك ذللا ) قال : الذلول : الذي يقاد ويذهب به حيث أراد صاحبه ، قال : فهم يخرجون بالنحل ينتجعون بها ويذهبون ، وهي تتبعهم . وقرأ (
أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما فهم لها مالكون وذللناها لهم ) . . . الآية ، فعلى هذا القول ، الذلل من نعت النحل ، وكلا القولين غير بعيد من الصواب في الصحة وجهان مخرجان ، غير أنا اخترنا أن يكون نعتا للسبل لأنها إليها أقرب .
وقوله : (
يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه ) يقول تعالى ذكره : يخرج من بطون النحل شراب ، وهو العسل ، مختلف ألوانه ، لأن فيها أبيض وأحمر وأسحر ، وغير ذلك من الألوان .
قال
أبو جعفر : أسحر : ألوان مختلفة مثل أبيض يضرب إلى الحمرة .
وقوله : (
فيه شفاء للناس ) اختلف أهل التأويل فيما عادت عليه الهاء التي في قوله ( فيه ) ، فقال بعضهم : عادت على القرآن ، وهو المراد بها .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
نصر بن عبد الرحمن ، قال : ثنا
المحاربي ، [ ص: 250 ] عن
ليث ، عن
مجاهد (
فيه شفاء للناس ) قال : في القرآن شفاء .
وقال آخرون : بل أريد بها العسل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
بشر ، قال : ثنا
يزيد ، قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة ، قوله (
يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس ) ففيه شفاء كما قال الله تعالى من الأدواء ، وقد كان ينهى عن تفريق النحل ، وعن قتلها .
حدثنا
ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا
محمد بن ثور ، عن
معمر ، عن
قتادة ، قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=811629جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فذكر أن أخاه اشتكى بطنه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : اذهب فاسق أخاك عسلا ثم جاءه فقال : ما زاده إلا شدة ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : اذهب فاسق أخاك عسلا فقد صدق الله وكذب بطن أخيك ، فسقاه ، فكأنما نشط من عقال" .
حدثنا
الحسن ، قال : أخبرنا
عبد الرزاق ، قال : أخبرنا
معمر ، عن
قتادة (
يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس ) قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فذكر نحوه .
حدثنا
ابن وكيع ، قال : ثنا أبي ، عن
سفيان ، عن
أبي إسحاق ، عن
أبي الأحوص ، عن
عبد الله ، قال : شفاءان : العسل شفاء من كل داء ، والقرآن شفاء لما في الصدور .
حدثني
محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس (
فيه شفاء للناس ) العسل .
وهذا القول ، أعني قول
قتادة ، أولى بتأويل الآية ، لأن قوله ) فيه ) في سياق الخبر عن العسل فأن تكون الهاء من ذكر العسل ، إذ كانت في سياق الخبر عنه أولى من غيره .
وقوله : (
إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون ) يقول تعالى ذكره : إن في إخراج الله من بطون هذه النحل : الشراب المختلف ، الذي هو شفاء للناس ، لدلالة وحجة واضحة على من سخر النحل وهداها لأكل الثمرات التي تأكل ، واتخاذها البيوت التي تنحت من الجبال والشجر والعروش ، وأخرج من بطونها ما أخرج من الشفاء للناس ، أنه الواحد الذي ليس كمثله شيء ، وأنه لا ينبغي
[ ص: 251 ] أن يكون له شريك ولا تصح الألوهة إلا له .