القول في تأويل قوله تعالى : (
بل لعنهم الله بكفرهم )
قال
أبو جعفر : يعني جل ثناؤه بقوله : ( بل لعنهم الله ) ، بل أقصاهم الله وأبعدهم وطردهم وأخزاهم وأهلكهم بكفرهم ، وجحودهم آيات الله وبيناته ، وما ابتعث به رسله ، وتكذيبهم أنبياءه . فأخبر - تعالى ذكره - أنه أبعدهم منه ومن رحمته بما كانوا يفعلون من ذلك .
وأصل "اللعن " الطرد والإبعاد والإقصاء يقال : "لعن الله فلانا يلعنه لعنا ، وهو ملعون " . ثم يصرف "مفعول " : فيقال : هو "لعين " . ومنه قول
الشماخ بن ضرار :
ذعرت به القطا ونفيت عنه مكان الذئب كالرجل اللعين
قال
أبو جعفر : في قول الله تعالى ذكره : (
بل لعنهم الله بكفرهم ) تكذيب منه للقائلين من
اليهود : ( قلوبنا غلف ) ؛ لأن قوله : ( بل ) دلالة على جحده جل
[ ص: 329 ] ذكره وإنكاره ما ادعوا من ذلك ؛ إذ كانت "بل " لا تدخل في الكلام إلا نقضا لمجحود . فإذ كان ذلك كذلك ، فبين أن معنى الآية : وقالت
اليهود : قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه يا محمد ، فقال الله تعالى ذكره : ما ذلك كما زعموا ، ولكن الله أقصى
اليهود وأبعدهم من رحمته ، وطردهم عنها ، وأخزاهم بجحودهم له ولرسله ، فقليلا ما يؤمنون .