القول في تأويل قوله تعالى : (
من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون ( 97 ) )
يقول تعالى ذكره : من عمل بطاعة الله ، وأوفى بعهود الله إذا عاهد من ذكر أو أنثى من بني آدم وهو مؤمن : يقول : وهو مصدق بثواب الله الذي وعد أهل طاعته على الطاعة ، وبوعيد أهل معصيته على المعصية (
فلنحيينه حياة طيبة ) .
واختلف أهل التأويل في الذي عنى الله بالحياة الطيبة التي وعد هؤلاء القوم أن يحييهموها ، فقال بعضهم : عنى أنه يحييهم في الدنيا ما عاشوا فيها بالرزق الحلال .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
أبو السائب ، قال : ثنا
أبو معاوية ، عن
[ ص: 290 ] إسماعيل بن سميع عن
أبي مالك وأبي الربيع ، عن
ابن عباس ، بنحوه .
حدثنا
ابن بشار ، قال : ثنا
عبد الرحمن ، قال : ثنا
سفيان ، عن
إسماعيل بن سميع ، عن
أبي الربيع ، عن
ابن عباس ، في قوله (
من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ) قال : الرزق الحسن في الدنيا .
حدثنا
ابن وكيع ، قال : ثنا أبي ، عن
سفيان ، عن
إسماعيل بن سميع ، عن
أبي الربيع ، عن
ابن عباس (
فلنحيينه حياة طيبة ) قال : الرزق الطيب في الدنيا .
حدثني
محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس ، قوله (
من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ) يعني في الدنيا .
حدثنا
ابن وكيع ، قال : ثنا
ابن عيينة ، عن مطرف ، عن
الضحاك (
فلنحيينه حياة طيبة ) قال : الرزق الطيب الحلال .
حدثني
عبد الأعلى بن واصل ، قال : ثنا
عون بن سلام القرشي ، قال : أخبرنا
بشر بن عمارة ، عن
أبي روق ، عن
الضحاك ، في قوله (
فلنحيينه حياة طيبة ) قال : يأكل حلالا ويلبس حلالا .
وقال آخرون (
فلنحيينه حياة طيبة ) بأن نرزقه القناعة .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
ابن وكيع ، قال : ثنا
يحيى بن يمان ، عن
المنهال بن خليفة ، عن
أبي خزيمة سليمان التمار ، عمن ذكره عن علي (
فلنحيينه حياة طيبة ) قال : القنوع .
حدثنا
القاسم ، قال : ثنا
الحسين ، قال : ثنا
أبو عصام ، عن
أبي سعيد ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري ، قال : الحياة الطيبة : القناعة .
وقال آخرون : بل يعني بالحياة الطيبة الحياة مؤمنا بالله عاملا بطاعته .
ذكر من قال ذلك : حدثت عن
الحسين ، قال : سمعت
أبا معاذ يقول : ثنا
عبيد بن سليمان ، قال : سمعت
الضحاك يقول في قوله (
فلنحيينه حياة طيبة )
[ ص: 291 ] يقول : من عمل عملا صالحا وهو مؤمن في فاقة أو ميسرة ، فحياته طيبة ، ومن أعرض عن ذكر الله فلم يؤمن ولم يعمل صالحا ، عيشته ضنكة لا خير فيها .
وقال آخرون : الحياة الطيبة السعادة .
ذكر من قال ذلك :
حدثني المثنى
وعلي بن داود ، قالا ثنا
عبد الله ، قال : ثني
معاوية ، عن
علي ، عن
ابن عباس ، قوله (
فلنحيينه حياة طيبة ) قال : السعادة .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : الحياة في الجنة .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
ابن بشار ، قال : ثنا
هوذة ، عن
عوف ، عن
الحسن (
فلنحيينه حياة طيبة ) قال : لا تطيب لأحد حياة دون الجنة .
حدثنا
ابن وكيع ، قال : ثنا
أبو أسامة ، عن
عوف ، عن
الحسن (
فلنحيينه حياة طيبة ) قال : ما تطيب الحياة لأحد إلا في الجنة .
حدثنا
بشر ، قال : ثنا
يزيد ، قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة ، قوله (
من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ) فإن الله لا يشاء عملا إلا في إخلاص ، ويوجب من عمل ذلك في إيمان ، قال الله تعالى (
فلنحيينه حياة طيبة ) وهي الجنة .
حدثنا
القاسم ، قال : ثنا
الحسين ، قال : ثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
مجاهد (
فلنحيينه حياة طيبة ) قال : الآخرة يحييهم حياة طيبة في الآخرة .
حدثني
يونس ، قال : أخبرنا
ابن وهب ، قال : قال
ابن زيد ، في قوله (
من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ) قال : الحياة الطيبة في الآخرة : هي الجنة ، تلك الحياة الطيبة ، قال (
ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون ) وقال : ألا تراه يقول (
يا ليتني قدمت لحياتي ) قال : هذه آخرته . وقرأ أيضا (
وإن الدار الآخرة لهي الحيوان ) قال : الآخرة دار حياة لأهل النار وأهل الجنة ، ليس فيها موت لأحد من الفريقين .
حدثني
المثنى ، قال : ثنا
إسحاق ، قال : ثنا
ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن
الربيع ، في قوله (
من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن ) قال : الإيمان : الإخلاص لله وحده ، فبين أنه لا يقبل عملا إلا بالإخلاص له .
وأولى الأقوال بالصواب قول من قال : تأويل ذلك : فلنحيينه حياة طيبة بالقناعة ، وذلك أن من قنعه الله بما قسم له من رزق لم يكثر للدنيا تعبه ، ولم
[ ص: 292 ] يعظم فيها نصبه ولم يتكدر فيها عيشه باتباعه بغية ما فاته منها وحرصه على ما لعله لا يدركه فيها .
وإنما قلت ذلك أولى التأويلات في ذلك بالآية ، لأن الله تعالى ذكره أوعد قوما قبلها على معصيتهم إياه إن عصوه أذاقهم السوء في الدنيا ، والعذاب في الآخرة ، فقال تعالى (
ولا تتخذوا أيمانكم دخلا بينكم فتزل قدم بعد ثبوتها وتذوقوا السوء بما صددتم عن سبيل الله ) فهذا لهم في الدنيا ، ولهم في الآخرة عذاب عظيم ، فهذا لهم في الآخرة . ثم أتبع ذلك لمن أوفى بعهد الله وأطاعه فقال تعالى : ما عندكم في الدنيا ينفد ، وما عند الله باق ، فالذي هذه السيئة بحكمته أن يعقب ذلك الوعد لأهل طاعته بالإحسان في الدنيا ، والغفران في الآخرة ، وكذلك فعل تعالى ذكره .
وأما القول الذي روي عن
ابن عباس أنه الرزق الحلال ، فهو محتمل أن يكون معناه الذي قلنا في ذلك ، من أنه تعالى يقنعه في الدنيا بالذي يرزقه من الحلال ، وإن قل فلا تدعوه نفسه إلى الكثير منه من غير حله . لا أنه يرزقه الكثير من الحلال ، وذلك أن أكثر العاملين لله تعالى بما يرضاه من الأعمال لم نرهم رزقوا الرزق الكثير من الحلال في الدنيا ، ووجدنا ضيق العيش عليهم أغلب من السعة .
وقوله : (
ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون ) فذلك لا شك أنه في الآخرة . وكذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
أبو السائب ، قال : ثنا
أبو معاوية ، عن
إسماعيل بن سميع ، عن
أبي مالك ، عن
ابن عباس (
ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون ) قال : إذا صاروا إلى الله جزاهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون .
حدثنا
ابن وكيع ، قال : ثنا
أبو معاوية ، عن
إسماعيل بن سميع ، عن
أبي مالك ، وأبي الربيع ، عن
ابن عباس ، مثله .
حدثنا
ابن وكيع ، قال : ثنا أبي ، عن
سفيان ، عن
إسماعيل بن سميع ،
[ ص: 293 ] عن
أبي الربيع ، عن
ابن عباس (
ولنجزينهم أجرهم ) قال : في الآخرة .
حدثنا
ابن بشار ، قال : ثنا
عبد الرحمن ، قال : ثنا
سفيان ، عن
إسماعيل بن سميع ، عن
أبي الربيع ، عن
ابن عباس ، مثله .
حدثني
محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس (
ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون ) يقول : يجزيهم أجرهم في الآخرة بأحسن ما كانوا يعملون .
وقيل : إن هذه الآية نزلت بسبب قوم من أهل ملل شتى تفاخروا ، فقال أهل كل ملة منها : نحن أفضل ، فبين الله لهم أفضل أهل الملل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
ابن وكيع ، قال : ثنا
يعلى بن عبيد ، عن
إسماعيل ، عن
أبي صالح ، قال : جلس ناس من أهل الأوثان
وأهل التوراة وأهل الإنجيل ، فقال هؤلاء : نحن أفضل ، وقال هؤلاء : نحن أفضل ، فأنزل الله تعالى (
من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون ) .