القول في تأويل قوله تعالى : (
يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها وتوفى كل نفس ما عملت وهم لا يظلمون )
يقول تعالى ذكره : إن ربك من بعدها لغفور رحيم (
يوم تأتي كل نفس ) تخاصم عن نفسها ، وتحتج عنها بما أسلفت في الدنيا من خير أو شر أو إيمان أو كفر ، (
وتوفى كل نفس ما عملت ) في الدنيا من طاعة ومعصية (
وهم لا يظلمون ) : يقول : وهم لا يفعل بهم إلا ما يستحقونه ويستوجبونه بما قدموه من خير أو شر ، فلا يجزى المحسن إلا بالإحسان ولا المسيء إلا بالذي أسلف
[ ص: 309 ] من الإساءة ، لا يعاقب محسن ولا يبخس جزاء إحسانه ، ولا يثاب مسيء إلا ثواب عمله .
واختلف أهل العربية في السبب الذي من أجله قيل تجادل ، فأنث الكل ، فقال بعض نحويي
البصرة : قيل ذلك لأن معنى " كل نفس " : كل إنسان ، وأنث لأن النفس تذكر وتؤنث ، يقال : ما جاءني نفس واحد وواحدة . وكان بعض أهل العربية يرى هذا القول من قائله غلطا ويقول : "كل" إذا أضيفت إلى نكرة واحدة خرج الفعل على قدر النكرة ، كل امرأة قائمة ، وكل رجل قائم ، وكل امرأتين قائمتان ، وكل رجلين قائمان ، وكل نساء قائمات ، وكل رجال قائمون ، فيخرج على عدد النكرة وتأنيثها وتذكيرها ، ولا حاجة به إلى تأنيث النفس وتذكيرها .