القول في تأويل قوله تعالى : (
ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون ( 16 )
متاع قليل ولهم عذاب أليم ( 17 ) )
[ ص: 314 ] اختلف القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء
الحجاز والعراق (
ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب ) فتكون تصف الكذب ، بمعنى : ولا تقولوا لوصف ألسنتكم الكذب ، فتكون " ما " بمعنى المصدر . وذكر عن
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري أنه قرأ (
ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب ) هذا بخفض الكذب ، بمعنى : ولا تقولوا للكذب الذي تصفه ألسنتكم (
هذا حلال وهذا حرام ) فيجعل الكذب ترجمة عن " ما " التي في لما ، فتخفضه بما تخفض به " ما " . وقد حكي عن بعضهم : (
لما تصف ألسنتكم الكذب ) يرفع الكذب ، فيجعل الكذب من صفة الألسنة ، ويخرج على فعل على أنه جمع كذوب وكذب ، مثل شكور وشكر .
والصواب عندي من القراءة في ذلك نصب الكذب لإجماع الحجة من القراء عليه ، فتأويل الكلام إذ كان ذلك كذلك لما ذكرنا : ولا تقولوا لوصف ألسنتكم الكذب فيما رزق الله عباده من المطاعم : هذا حلال ، وهذا حرام ، كي تفتروا على الله بقيلكم ذلك الكذب ، فإن الله لم يحرم من ذلك ما تحرمون ، ولا أحل كثيرا مما تحلون ، ثم تقدم إليهم بالوعيد على كذبهم عليه ، فقال (
إن الذين يفترون على الله الكذب ) يقول : إن الذين يتخرصون على الله الكذب ويختلقونه ، لا يخلدون في الدنيا ، ولا يبقون فيها ، إنما يتمتعون فيها قليلا . وقال ( متاع قليل ) فرفع ، لأن المعنى الذي هم فيه من هذه الدنيا متاع قليل ، أو لهم متاع قليل في الدنيا . وقوله (
ولهم عذاب أليم ) يقول : ثم إلينا مرجعهم ومعادهم ، ولهم على كذبهم وافترائهم على الله بما كانوا يفترون عذاب عند مصيرهم إليه أليم .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
محمد بن عمرو ، قال : ثنا
أبو عاصم ، قال : ثنا
عيسى ; وحدثني
الحارث ، قال : ثنا
الحسن ، قال : ثنا
ورقاء ، جميعا
[ ص: 315 ] عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد ، في قول الله تعالى (
لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام ) في البحيرة والسائبة .
حدثنا
القاسم ، قال : ثنا
الحسين ، قال : ثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
مجاهد ، قال : البحائر والسوائب .