القول في تأويل قوله تعالى : (
واصبر وما صبرك إلا بالله ولا تحزن عليهم ولا تك في ضيق مما يمكرون )
يقول تعالى ذكره لنبيه
محمد صلى الله عليه وسلم : واصبر يا
محمد على ما أصابك من أذى في الله . (
وما صبرك إلا بالله ) يقول : وما صبرك إن صبرت إلا بمعونة الله ، وتوفيقه إياك لذلك (
ولا تحزن عليهم ) يقول : ولا تحزن على هؤلاء المشركين الذين يكذبونك وينكرون ما جئتهم به في آن ولوا عنك وأعرضوا عما أتيتهم به من النصيحة (
ولا تك في ضيق مما يمكرون ) يقول : ولا يضق صدرك بما يقولون من الجهل ، ونسبتهم ما جئتهم به إلى أنه سحر أو
[ ص: 326 ] شعر أو كهانة ، مما يمكرون : مما يحتالون بالخدع في الصد عن سبيل الله ، من أراد الإيمان بك ، والتصديق بما أنزل الله إليك .
واختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء
العراق (
ولا تك في ضيق ) بفتح الضاد في الضيق على المعنى الذي وصفت من تأويله . وقرأه بعض
قراء أهل المدينة (
ولا تك في ضيق ) بكسر الضاد .
وأولى القراءتين بالصواب في ذلك عندنا قراءة من قرأه في ضيق ، بفتح الضاد ، لأن الله تعالى إنما نهى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يضيق صدره مما يلقى من أذى المشركين على تبليغه إياهم وحي الله وتنزيله ، فقال له (
فلا يكن في صدرك حرج منه لتنذر به ) وقال : (
فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك وضائق به صدرك أن يقولوا لولا أنزل عليه كنز أو جاء معه ملك إنما أنت نذير ) ، وإذ كان ذلك هو الذي نهاه تعالى ذكره ، ففتح الضاد هو الكلام المعروف من كلام العرب في ذلك المعنى ، تقول العرب : في صدري من هذا الأمر ضيق ، وإنما تكسر الضاد في الشيء المعاش ، وضيق المسكن ، ونحو ذلك ; فإن وقع الضيق بفتح الضاد في موضع الضيق بالكسر . كان على الذي يتسع أحيانا ، ويضيق من قلة أحد وجهين ، إما على جمع الضيقة ، كما قال
أعشى بني ثعلبة :
فلئن ربك من رحمته كشف الضيقة عنا وفسح
والآخر على تخفيف الشيء الضيق ، كما يخفف الهين اللين ، فيقال : هو هين لين .