القول في تأويل قوله تعالى : ( وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به )
قال
أبو جعفر : يعني بقوله جل ثناؤه : (
وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا ) ، أي : وكان هؤلاء
اليهود - الذين لما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم من الكتب التي أنزلها الله قبل الفرقان ، كفروا به - يستفتحون
بمحمد صلى الله عليه وسلم
ومعنى "الاستفتاح " ، الاستنصار يستنصرون الله به على مشركي العرب من قبل مبعثه ، أي من قبل أن يبعث ، كما : -
1519 - حدثني
ابن حميد قال : حدثنا
سلمة قال : حدثني
ابن إسحاق ، عن
[ ص: 333 ] عاصم بن عمر بن قتادة الأنصاري ، عن أشياخ منهم قالوا : فينا والله وفيهم - يعني في
الأنصار ، وفي
اليهود الذين كانوا جيرانهم - نزلت هذه القصة يعني : (
ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا ) قالوا : كنا قد علوناهم دهرا في الجاهلية - ونحن أهل الشرك ، وهم أهل الكتاب - فكانوا يقولون : إن نبيا الآن مبعثه قد أظل زمانه ، يقتلكم قتل عاد وإرم ، فلما بعث الله تعالى ذكره رسوله من قريش واتبعناه ، كفروا به . يقول الله : (
فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به ) .
1520 - حدثنا
ابن حميد قال : حدثنا
سلمة قال : حدثني
ابن إسحاق قال : حدثني
محمد بن أبي محمد مولى آل زيد بن ثابت ، عن
سعيد بن جبير ، أو
nindex.php?page=showalam&ids=16584عكرمة مولى ابن عباس ، عن
ابن عباس : أن يهود كانوا يستفتحون على
الأوس والخزرج برسول الله صلى الله عليه وسلم قبل مبعثه ، فلما بعثه الله من العرب ، كفروا به ، وجحدوا ما كانوا يقولون فيه . فقال لهم
معاذ بن جبل nindex.php?page=showalam&ids=1054وبشر بن البراء بن معرور أخو
بني سلمة : يا معشر يهود ، اتقوا الله وأسلموا ، فقد كنتم تستفتحون علينا
بمحمد صلى الله عليه وسلم ونحن أهل شرك ، وتخبروننا أنه مبعوث ، وتصفونه لنا بصفته! فقال سلام بن مشكم أخو
بني النضير : ما جاءنا بشيء نعرفه ، وما هو بالذي كنا نذكر لكم! فأنزل الله - جل ثناؤه - في ذلك من قوله : (
ما يؤمنون ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين ) .
1521 - حدثنا
أبو كريب قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17416يونس بن بكير قال : حدثنا
ابن إسحاق قال : حدثني
محمد بن أبي محمد مولى آل زيد بن ثابت قال : حدثني
سعيد بن جبير ، أو
عكرمة ، عن
ابن عباس مثله .
1522 - حدثني
محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي عن أبيه ، عن
ابن عباس : (
وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا ) ، يقول : يستنصرون بخروج
محمد صلى الله عليه وسلم على مشركي العرب - يعني بذلك أهل الكتاب - فلما بعث الله
محمدا صلى الله عليه وسلم ورأوه من غيرهم ، كفروا به وحسدوه .
1523 - وحدثنا
محمد بن عمرو قال : حدثنا
أبو عاصم قال : حدثني
عيسى ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
علي الأزدي في قول الله : (
وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا ) ، قال :
اليهود ، كانوا يقولون : اللهم ابعث لنا هذا النبي يحكم بيننا وبين الناس ، يستفتحون - يستنصرون - به على الناس .
1524 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
أبو حذيفة قال : حدثنا
شبل ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
علي الأزدي - وهو البارقي - في قول الله جل ثناؤه : ( وكانوا من قبل يستفتحون ) ، فذكر مثله .
1525 - حدثنا
بشر بن معاذ قال : حدثنا
يزيد قال : حدثنا
سعيد ، عن
قتادة قوله : (
وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا ) ، كانت
اليهود [ ص: 335 ] تستفتح
بمحمد صلى الله عليه وسلم على كفار العرب من قبل ، وقالوا : اللهم ابعث هذا النبي الذي نجده في التوراة يعذبهم ويقتلهم! فلما بعث الله
محمدا صلى الله عليه وسلم فرأوا أنه بعث من غيرهم ، كفروا به حسدا للعرب ، وهم يعلمون أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة : (
فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به ) .
1526 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
آدم قال : حدثنا
أبو جعفر ، عن
الربيع ، عن
أبي العالية قال : كانت
اليهود تستنصر
بمحمد صلى الله عليه وسلم على مشركي العرب ، يقولون : اللهم ابعث هذا النبي الذي نجده مكتوبا عندنا حتى يعذب المشركين ويقتلهم! فلما بعث الله
محمدا ، ورأوا أنه من غيرهم ، كفروا به حسدا للعرب ، وهم يعلمون أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ! فقال الله : (
فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين ) .
1527 - حدثني
موسى قال : حدثنا
عمرو قال : حدثنا
أسباط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : (
ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به ) . قال : كانت العرب تمر
باليهود فيؤذونهم ، وكانوا يجدون
محمدا صلى الله عليه وسلم في التوراة ، ويسألون الله أن يبعثه فيقاتلوا معه العرب ، فلما جاءهم
محمد كفروا به ، حين لم يكن من بني إسرائيل .
1528 - حدثنا
القاسم قال : حدثنا
الحسين قال : حدثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج قال : قلت
لعطاء قوله : (
وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا ) ، قال : كانوا يستفتحون على كفار العرب بخروج النبي صلى الله عليه وسلم ، ويرجون أن يكون منهم . فلما خرج ورأوه ليس منهم ، كفروا وقد عرفوا أنه الحق ، وأنه النبي . قال : (
فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين ) .
1529 - قال حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، وقال
مجاهد : يستفتحون
بمحمد صلى الله
[ ص: 336 ] عليه وسلم تقول : إنه - يخرج . ( فلما جاءهم ما عرفوا ) - وكان من غيرهم - كفروا به .
1530 - حدثنا
القاسم قال : حدثنا
الحسين قال : حدثني
حجاج قال : قال
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج - وقال
ابن عباس : كانوا يستفتحون على كفار العرب .
1531 - حدثني
المثنى قال : حدثني
الحماني قال : حدثني
شريك ، عن
أبي الجحاف ، عن
مسلم البطين ، عن
سعيد بن جبير قوله : (
فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به ) ، قال : هم
اليهود عرفوا
محمدا أنه نبي وكفروا به .
1532 - حدثت عن
المنجاب قال : حدثنا
بشر ، عن
أبي روق ، عن
الضحاك ، عن
ابن عباس في قوله : (
وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا ) ، قال : كانوا يستظهرون ، يقولون : نحن نعين
محمدا عليهم ، وليسوا كذلك ، يكذبون .
1533 - حدثني
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب قال ، سألت
ابن زيد عن قول الله عز وجل : (
وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به ) . قال : كانت يهود يستفتحون على كفار العرب ، يقولون : أما والله لو قد جاء النبي الذي بشر به
موسى وعيسى ، أحمد ، لكان لنا عليكم! وكانوا يظنون أنه منهم ، والعرب حولهم ، وكانوا يستفتحون عليهم به ، ويستنصرون به ، فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به وحسدوه ، وقرأ قول الله - جل ثناؤه : (
كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق ) [ سورة البقرة : 109 ] . قال : قد تبين لهم أنه رسول ، فمن هنالك نفع الله
الأوس والخزرج بما كانوا يسمعون منهم أن نبيا خارج .
قال
أبو جعفر : فإن قال لنا قائل : فأين جواب قوله : (
ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم ) ؟
قيل : قد اختلف أهل العربية في جوابه . فقال بعضهم : هو مما ترك جوابه ، استغناء بمعرفة المخاطبين به بمعناه ، وبما قد ذكر من أمثاله في سائر القرآن .
[ ص: 337 ] وقد تفعل العرب ذلك إذا طال الكلام ، فتأتي بأشياء لها أجوبة ، فتحذف أجوبتها ، لاستغناء سامعيها - بمعرفتهم بمعناها - عن ذكر الأجوبة ، كما قال جل ثناؤه : (
ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى بل لله الأمر جميعا ) [ سورة الرعد : 31 ] ، فترك جوابه . والمعنى : "ولو أن قرآنا سوى هذا القرآن سيرت به الجبال لسيرت بهذا القرآن - استغناء بعلم السامعين بمعناه . . قالوا : فكذلك قوله : (
ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم ) .
وقال آخرون : جواب قوله : (
ولما جاءهم كتاب من عند الله ) في "الفاء " التي في قوله : (
فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به ) ، وجواب الجزاءين في "كفروا به " ، كقولك : "لما قمت ، فلما جئتنا أحسنت " ، بمعنى : لما جئتنا إذ قمت أحسنت .