القول في تأويل قوله تعالى : (
ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير وكان الإنسان عجولا ( 11 ) )
يقول تعالى ذكره مذكرا عباده أياديه عندهم ، ويدعو الإنسان على نفسه وولده وماله بالشر ، فيقول : اللهم أهلكه والعنه عند ضجره وغضبه ، كدعائه بالخير : يقول : كدعائه ربه بأن يهب له العافية ، ويرزقه السلامة في نفسه وماله وولده ، يقول : فلو استجيب له في دعائه على نفسه وماله وولده بالشر كما يستجاب له في الخير هلك ، ولكن الله بفضله لا يستجيب له في ذلك .
وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس ، قوله (
ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير وكان الإنسان عجولا )
[ ص: 394 ] يعني قول الإنسان : اللهم العنه واغضب عليه ، فلو يعجل له ذلك كما يعجل له الخير ، لهلك ، قال : ويقال : هو (
وإذا مس الإنسان الضر دعانا لجنبه أو قاعدا أو قائما ) أن يكشف ما به من ضر ، يقول تبارك وتعالى : لو أنه ذكرني وأطاعني ، واتبع أمري عند الخير ، كما يدعوني عند البلاء ، كان خيرا له .
حدثنا
بشر ، قال : ثنا
يزيد ، قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة ، قوله (
ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير وكان الإنسان عجولا ) يدعو على ماله ، فيلعن ماله وولده ، ولو استجاب الله له لأهلكه .
حدثنا
محمد بن عبد الأعلى ، قال : ثنا
محمد بن ثور ، عن
معمر ، عن
قتادة (
ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير ) قال : يدعو على نفسه بما لو استجيب له هلك ، وعلى خادمه ، أو على ماله .
حدثنا
القاسم ، قال : ثنا
الحسين ، قال : ثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
مجاهد (
ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير وكان الإنسان عجولا ) قال : ذلك دعاء الإنسان بالشر على ولده وعلى امرأته ، فيعجل : فيدعو عليه ، ولا يحب أن يصيبه .
واختلف في تأويل قوله (
وكان الإنسان عجولا ) فقال
مجاهد ومن ذكرت قوله : معناه : وكان الإنسان عجولا بالدعاء على ما يكره ، أن يستجاب له فيه .
وقال آخرون : عنى بذلك
آدم أنه عجل حين نفخ فيه الروح قبل أن تجري في جميع جسده ، فرام النهوض ، فوصف ولده بالاستعجال ، لما كان من استعجال أبيهم آدم القيام ، قبل أن يتم خلقه .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12166محمد بن المثنى ، قال : ثنا
محمد بن جعفر ، قال : ثنا
شعبة ، عن
الحكم ، عن
إبراهيم ، أن
سلمان الفارسي ، قال : أول ما خلق الله من
آدم رأسه ، فجعل ينظر وهو يخلق ، قال : وبقيت رجلاه; فلما كان بعد العصر قال : يا رب عجل قبل الليل ، فذلك قوله (
وكان الإنسان عجولا ) .
حدثنا
أبو كريب ، قال : ثنا
عثمان بن سعيد ، قال : ثنا
بشر بن عمارة ، عن
أبي [ ص: 395 ] روق ، عن
الضحاك عن
ابن عباس ، قال : لما نفخ الله في
آدم من روحه أتت النفخة من قبل رأسه ، فجعل لا يجري شيء منها في جسده ، إلا صار لحما ودما; فلما انتهت النفخة إلى سرته ، نظر إلى جسده ، فأعجبه ما رأى من جسده فذهب لينهض فلم يقدر ، فهو قول الله تبارك وتعالى (
وكان الإنسان عجولا ) قال : ضجرا لا صبر له على سراء ، ولا ضراء .