القول في
تأويل قوله تعالى : ( ربكم أعلم بما في نفوسكم إن تكونوا صالحين فإنه كان للأوابين غفورا ( 25 ) )
يقول تعالى ذكره ( ربكم ) أيها الناس ( أعلم ) منكم (
بما في نفوسكم ) من تعظيمكم أمر آبائكم وأمهاتكم وتكرمتهم ، والبر بهم ، وما فيها من اعتقاد الاستخفاف بحقوقهم ، والعقوق لهم ، وغير ذلك من ضمائر صدوركم ، لا يخفى عليه شيء من ذلك ، وهو مجازيكم على حسن ذلك وسيئه ، فاحذروا أن تضمروا لهم سوءا ، وتعقدوا لهم عقوقا . وقوله (
إن تكونوا صالحين ) يقول : إن أنتم أصلحتم نياتكم فيهم ، وأطعتم الله فيما أمركم به من البر بهم ، والقيام بحقوقهم عليكم ، بعد هفوة كانت منكم ، أو زلة في واجب
[ ص: 422 ] لهم عليكم مع القيام بما ألزمكم في غير ذلك من فرائضه ، فإنه كان للأوابين بعد الزلة ، والتائبين بعد الهفوة غفورا لهم .
وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك ، قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
أبو كريب ، قال : ثنا
ابن إدريس ، قال : سمعت أبي وعمي عن حبيب بن أبي ثابت ، عن
سعيد بن جبير (
ربكم أعلم بما في نفوسكم ) قال : البادرة تكون من الرجل إلى أبويه لا يريد بذلك إلا الخير ، فقال (
ربكم أعلم بما في نفوسكم ) .
حدثنا
أبو السائب ، قال : ثنا
ابن إدريس ، قال : أخبرني أبي ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن
سعيد بن جبير ، بمثله .
حدثنا
ابن حميد ، قال : ثنا الحكم بن بشير ، قال : ثنا عمرو ، عن حبيب بن أبي ثابت ، في قوله (
فإنه كان للأوابين غفورا ) قال : هو الرجل تكون منه البادرة إلى أبويه وفي نيته وقلبه أنه لا يؤاخذ به .
واختلف أهل التأويل ، في تأويل قوله (
فإنه كان للأوابين غفورا )
فقال بعضهم : هم المسبحون .
ذكر من قال ذلك :
حدثني سليمان بن عبد الجبار ، قال : ثنا محمد بن الصلت ، قال : ثنا أبو كدينة ; وحدثني ابن سنان القزاز ، قال : ثنا الحسين بن الحسن الأشقر ، قال : ثنا أبو كدينة ، عن عطاء ، عن
سعيد بن جبير ، عن
ابن عباس (
فإنه كان للأوابين غفورا ) قال : المسبحين .
حدثني
الحارث ، قال : ثنا
الحسن ، قال : ثنا أبو خيثمة زهير ، قال : ثنا أبو إسحاق ، عن أبي ميسرة ، عن عمرو بن شرحبيل ، قال : الأواب : المسبح .
وقال آخرون : هم المطيعون المحسنون .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
علي بن داود ، قال : ثنا
أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن
علي ، عن
ابن عباس ، قوله (
فإنه كان للأوابين غفورا ) يقول : للمطيعين المحسنين .
حدثنا
بشر ، قال : ثنا
يزيد ، قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة ، قوله (
فإنه كان للأوابين غفورا ) قال : هم المطيعون ، وأهل الصلاة .
[ ص: 423 ] حدثنا
ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا
محمد بن ثور ، عن
معمر ، عن
قتادة (
فإنه كان للأوابين غفورا ) قال : للمطيعين المصلين .
وقال آخرون : بل هم الذين يصلون بين المغرب والعشاء .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
يونس ، قال : أخبرنا
ابن وهب ، عن أبي صخر حميد بن زياد ، عن ابن المنكدر يرفعه (
فإنه كان للأوابين غفورا ) قال : الصلاة بين المغرب والعشاء .
وقال آخرون : هم الذين يصلون الضحى .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا عمرو بن
علي ، قال : ثنا رباح أبو سليمان الرقاء ، قال : سمعت عونا العقيلي يقول في هذه الآية (
فإنه كان للأوابين غفورا ) قال : الذين يصلون صلاة الضحى .
وقال آخرون : بل هو الراجع من ذنبه ، التائب منه .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا أحمد بن الوليد القرشي ، قال : ثنا
محمد بن جعفر ، قال : ثنا
شعبة ، عن
يحيى بن سعيد ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب أنه قال في هذه الآية (
فإنه كان للأوابين غفورا ) قال : الذي
يصيب الذنب ثم يتوب ثم يصيب الذنب ثم يتوب .
حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12166ابن المثنى ، قال : ثنا
سليمان بن داود ، عن
شعبة ، عن
يحيى بن سعيد ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب ، قال : هو الذي يذنب ثم يتوب ، ثم يذنب ثم يتوب في هذا الآية (
فإنه كان للأوابين غفورا ) .
حدثنا
مجاهد بن موسى ، قال : ثنا
يزيد ، قال : أخبرنا
يحيى بن سعيد ، أنه سمع
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب يسأل عن هذه الآية (
فإنه كان للأوابين غفورا ) قال : هو الذي يذنب ثم يتوب ، ثم يذنب ثم يتوب .
حدثني
يونس ، قال : أخبرنا
ابن وهب ، قال : ثني
جرير بن حازم ، عن
يحيى بن سعيد ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب ، بنحوه .
حدثنا
محمد بن عبد الأعلى ، قال : ثنا
محمد بن ثور ، عن
معمر ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب ، بنحوه .
حدثني
يونس ، قال : أخبرنا
ابن وهب ، قال : ثني مالك ، عن
يحيى بن [ ص: 424 ] سعيد ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب (
فإنه كان للأوابين غفورا ) قال : هو العبد يذنب ثم يتوب ، ثم يذنب ثم يتوب .
حدثني
يونس ، قال : أخبرنا
ابن وهب ، قال : أخبرني الليث بن سعد ، عن
يحيى بن سعيد ، قال : سمعت
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب يقول : فذكر مثله .
حدثنا
الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا
عبد الرزاق ، قال : أخبرنا الثوري
ومعمر ، عن
يحيى بن سعيد ، عن
ابن المسيب ، قال : الأواب : الذي يذنب ثم يتوب ، ثم يذنب ثم يتوب ، ثم يذنب ثم يتوب .
حدثنا
ابن بشار ، قال : ثنا
محمد بن جعفر ، قال : ثنا
شعبة ، عن
أبي بشر ، عن
سعيد بن جبير في هذه الآية (
فإنه كان للأوابين غفورا ) قال : الراجعين إلى الخير .
حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12166ابن المثنى ، قال : ثنا عبد الصمد
وأبو داود وهشام ، عن
شعبة ، عن
أبي بشر ، عن
سعيد بن جبير ، بنحوه .
حدثنا
ابن بشار ، قال : ثنا
عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، وحدثنا
ابن حميد ، قال : ثنا
حكام ، عن
عمرو ، جميعا عن
منصور ، عن مجاهد عن عبيد بن عمير (
فإنه كان للأوابين غفورا ) قال : الذي
يذكر ذنوبه في الخلاء ، فيستغفر الله منها .
حدثنا
الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا
عبد الرزاق ، قال : أخبرنا الثوري ، عن منصور ، عن مجاهد ، قال : الأواب : الذي يذكر ذنوبه في الخلاء فيستغفر الله منها .
حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12166محمد بن المثنى ، قال : ثنا
محمد بن جعفر ، قال : ثنا
شعبة ، عن
منصور ، عن مجاهد ، عن عبيد بن عمير ، أنه قال في هذه الآية (
فإنه كان للأوابين غفورا ) قال : الذي يذكر ذنبه ثم يتوب .
حدثني
محمد بن عمرو ، قال : ثنا
أبو عاصم ، قالا : ثنا عيسى ، وحدثني
الحارث ، قال : ثنا
الحسن ، قال : ثنا
ورقاء ، جميعا ، عن
ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله جل ثناؤه (
للأوابين غفورا ) قال : الأوابون : الراجعون التائبون .
[ ص: 425 ]
حدثنا
القاسم ، قال : ثنا
الحسين ، قال : ثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
يحيى بن سعيد ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب : الرجل يذنب ثم يتوب ثلاثا .
حدثنا
ابن حميد ، قال : ثنا
جرير ، عن
منصور ، عن مجاهد ، عن عبيد بن عمير ، قوله (
فإنه كان للأوابين غفورا ) قال : الذي يتذكر ذنوبه ، فيستغفر الله لها .
حدثني
يونس ، قال : أخبرنا
ابن وهب ، قال : أخبرني ابن شريح ، عن عقبة بن مسلم ، عن عطاء بن يسار ، أنه قال في قوله (
فإنه كان للأوابين غفورا ) يذنب العبد ثم يتوب ، فيتوب الله عليه ، ثم يذنب فيتوب ، فيتوب الله عليه; ثم يذنب الثالثة ، فإن تاب ، تاب الله عليه توبة لا تمحى .
وقد روي عن عبيد بن عمير ، غير القول الذي ذكرنا عن مجاهد ، وهو ما حدثنا
الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا
عبد الرزاق ، قال : أخبرنا محمد بن مسلم ، عن عمرو بن دينار ، عن عبيد بن عمير ، في قوله (
فإنه كان للأوابين غفورا ) قال : كنا نعد الأواب : الحفيظ ، أن يقول : اللهم اغفر لي ما أصبت في مجلسي هذا .
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب ، قول من قال : الأواب : هو التائب من الذنب ، الراجع من معصية الله إلى طاعته ، ومما يكرهه إلى ما يرضاه ، لأن الأواب إنما هو فعال ، من قول القائل : آب فلان من كذا إما من سفره إلى منزله ، أو من حال إلى حال ، كما قال عبيد بن الأبرص :
وكل ذي غيبة يئوب وغائب الموت لا يئوب
[ ص: 426 ]
فهو يئوب أوبا ، وهو رجل آئب من سفره ، وأواب من ذنوبه .