القول في
تأويل قوله تعالى : ( وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيرا ( 26 )
إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا ( 27 ) )
اختلف أهل التأويل في المعني بقوله (
وآت ذا القربى ) فقال بعضهم : عنى به : قرابة الميت من قبل أبيه وأمه . أمر الله جل ثناؤه عباده بصلتها .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
عمران بن موسى ، قال : ثنا
عبد الوارث بن سعيد ، قال : ثنا
حبيب المعلم ، قال : سأل رجل
الحسن ، قال : أعطي قرابتي زكاة مالي فقال : إن لهم في ذلك لحقا سوى الزكاة ، ثم تلا هذه الآية (
وآت ذا القربى حقه ) .
حدثنا
القاسم ، قال : ثنا
الحسين ، قال : ثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
عكرمة ، قوله (
وآت ذا القربى حقه ) قال : صلته التي تريد أن تصله بها ، ما كنت تريد أن تفعله إليه .
حدثني
محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس ، قوله (
وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ) قال : هو أن تصل ذا القرابة والمسكين وتحسن إلى ابن السبيل .
وقال آخرون : بل عنى به قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
محمد بن عمارة الأسدي ، قال : ثنا
إسماعيل بن أبان ، قال : ثنا
الصباح بن يحيى المزني ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي ، عن
أبي الديلم ، قال : قال
علي بن الحسين عليهما السلام لرجل من أهل
الشام : أقرأت القرآن ؟ قال : نعم ، قال : أفما قرأت في
بني إسرائيل (
وآت ذا القربى حقه ) قال : وإنكم للقرابة التي أمر الله جل ثناؤه أن يؤتى حقه ، قال : نعم .
[ ص: 427 ]
وأولى التأويلين عندي بالصواب ، تأويل من تأول ذلك أنها بمعنى
وصية الله عباده بصلة قرابات أنفسهم وأرحامهم من قبل آبائهم وأمهاتهم ، وذلك أن الله عز وجل عقب ذلك عقيب حضه عباده على بر الآباء والأمهات ، فالواجب أن يكون ذلك حضا على صلة أنسابهم دون أنساب غيرهم التي لم يجر لها ذكر ، وإذا كان ذلك كذلك ، فتأويل الكلام : وأعط يا محمد ذا قرابتك حقه من صلتك إياه ، وبرك به ، والعطف عليه ، وخرج ذلك مخرج الخطاب لنبي الله صلى الله عليه وسلم ، والمراد بحكمه جميع من لزمته فرائض الله ، يدل على ذلك ابتداؤه الوصية بقوله جل ثناؤه (
وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما ) فوجه الخطاب بقوله (
وقضى ربك ) إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم ، ثم قال (
ألا تعبدوا إلا إياه ) فرجع بالخطاب به إلى الجميع ، ثم صرف الخطاب بقوله (
إما يبلغن عندك ) إلى إفراده به . والمعني بكل ذلك جميع من لزمته فرائض الله عز وجل ، أفرد بالخطاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وحده ، أو عم به هو وجميع أمته .
وقوله ( والمسكين ) وهو الذلة من أهل الحاجة . وقد دللنا فيما مضى على معنى المسكين بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع . وقوله ( وابن السبيل ) يعني : المسافر المنقطع به ، يقول تعالى : ??عد ،
قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله (
ولا تبذر تبذيرا ) قال : المبذر : المنفق في غير حقه
.
حدثنا القاسم ،
قال : ثنا الحسين ،
قال : ثنا عباد ، عن حصين ،
عن عكرمة ،
عن ابن عباس ، قال :
المبذر : المنفق في غير حقه .
حدثنا القاسم ،
قال : ثنا الحسين ،
قال : ثني حجاج ،
عن ابن جريج ،
عن عطاء الخراساني ،
عن ابن عباس ، قال : لا تنفق في الباطل ، فإن المبذر : هو المسرف في غير حق
.
قال ابن جريج
وقال مجاهد : لو أنفق إنسان ماله كله في الحق ما كان تبذيرا ، ولو أنفق مدا في باطل كان تبذيرا
.
حدثنا بشر ،
قال : ثنا يزيد ،
قال : ثنا سعيد ،
عن قتادة ، قوله (
ولا تبذر تبذيرا ) قال : التبذير : النفقة في معصية الله ، وفي غير الحق وفي الفساد
.
حدثني يونس ،
قال : أخبرنا ابن وهب ،
قال : قال ابن زيد في قوله (
وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ) قال : بدأ بالوالدين قبل هذا ، فلما فرغ من الوالدين وحقهما ، ذكر هؤلاء وقال (
لا تبذر تبذيرا ) : لا تعط في معاصي الله .
[ ص: 430 ]
وأما قوله (
إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين ) فإنه يعني : إن المفرقين أموالهم في معاصي الله المنفقيها في غير طاعته أولياء الشياطين ، وكذلك تقول العرب لكل ملازم سنة قوم وتابع أثرهم : هو أخوهم (
وكان الشيطان لربه كفورا ) يقول : وكان الشيطان لنعمة ربه التي أنعمها عليه جحودا لا يشكره عليه ، ولكنه يكفرها بترك طاعة الله ، وركوبه معصيته ، فكذلك إخوانه من بني آدم المبذرون أموالهم في معاصي الله ، لا يشكرون الله على نعمه عليهم ، ولكنهم يخالفون أمره ويعصونه ، ويستنون فيما أنعم الله عليهم به من الأموال التي خولهموها عز وجل سنته من ترك الشكر عليها ، وتلقيها بالكفران .
كالذي حدثني
يونس ، قال : أخبرنا
ابن وهب ، قال : قال
ابن زيد ، في قوله (
إن المبذرين ) : إن المنفقين في معاصي الله (
كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا ) .