القول في تأويل قوله تعالى : (
يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده وتظنون إن لبثتم إلا قليلا ( 52 )
وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم إن الشيطان كان للإنسان عدوا مبينا ( 53 ) )
[ ص: 468 ]
يقول تعالى ذكره : قل عسى أن يكون بعثكم أيها المشركون قريبا ، ذلك يوم يدعوكم ربكم بالخروج من قبوركم إلى موقف القيامة ، فتستجيبون بحمده .
اختلف أهل التأويل في معنى قوله (
فتستجيبون بحمده ) فقال بعضهم : فتستجيبون بأمره .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
علي ، قال : ثني
عبد الله ، قال : ثني
معاوية ، عن
علي ، عن
ابن عباس ، قوله (
يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده ) يقول : بأمره .
حدثنا
القاسم ، قال : ثنا
الحسين ، قال : ثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج (
فتستجيبون بحمده ) قال : بأمره .
وقال آخرون : معنى ذلك : فتستجيبون بمعرفته وطاعته .
[ ص: 469 ]
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
بشر ، قال : ثنا
يزيد ، قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة ، قوله ( يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده ) : أي بمعرفته وطاعته .
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال : معناه : فتستجيبون لله من قبوركم بقدرته ، ودعائه إياكم ، ولله الحمد في كل حال ، كما يقول القائل : فعلت ذلك الفعل بحمد الله ، يعني : لله الحمد على كل ما فعلته ، وكما قال الشاعر :
فإني بحمد الله لا ثوب فاجر لبست ولا من غدرة أتقنع
بمعنى : فإني والحمد لله لا ثوب فاجر لبست .
وقوله (
وتظنون إن لبثتم إلا قليلا ) يقول : وتحسبون عند موافاتكم القيامة من هول ما تعاينون فيها ما لبثتم في الأرض إلا قليلا كما قال جل ثناؤه (
قال كم لبثتم في الأرض عدد سنين قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم فاسأل العادين ) .
وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
بشر ، قال : ثنا
يزيد ، قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة (
وتظنون إن لبثتم إلا قليلا ) : أي في الدنيا ، تحاقرت الدنيا في أنفسهم وقلت ، حين عاينوا يوم القيامة .
وقوله ( وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن ) يقول تعالى ذكره لنبيه
محمد صلى الله عليه وسلم :
وقل يا
محمد لعبادي يقل بعضهم لبعض التي هي أحسن من المحاورة والمخاطبة .
كما حدثنا
خلاد بن أسلم ، قال : ثنا
النضر ، قال : أخبرنا
المبارك ، عن
الحسن في هذه الآية (
وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن ) قال : التي هي أحسن ، لا يقول له مثل قوله يقول له : يرحمك الله يغفر الله لك .
وقوله (
إن الشيطان ينزغ بينهم ) يقول : إن الشيطان يسوء محاورة بعضهم بعضا ينزغ بينهم ، يقول : يفسد بينهم ، يهيج بينهم الشر (
إن الشيطان كان للإنسان عدوا مبينا ) يقول : إن الشيطان كان لآدم وذريته عدوا ، قد أبان لهم عداوته بما أظهر لآدم من الحسد ، وغروره إياه حتى أخرجه من الجنة .